للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للرواة في الحديثين "لولا آية" بالياء إلا الباجيّ، فإنه رواه في الحديث الأول "لولا أنه" بالنون، قال: واختلف رواة "الموطّأ" عن مالك في هذين اللفظين، واختَلَف تأويل العلماء في ذلك، ففي رواية مسلم قال عروة: الآية قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} الآية [البقرة: ١٥٩] وعلى هذا لا تصح الرواية إلا "آية"، ويريد لولا الآية التي حَرَّجت كتمان العلم، وفي "الموطأ": قال مالك: أراه يريد هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الآية [هود: ١١٤] وعلى هذا تصح الروايتان، ويكون معنى رواية النون: لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله تعالى ما حدثتكم به؛ لئلا تتكلوا، قال النوويّ رحمه الله: والصحيح تأويل عروة. انتهى (١).

وقال في "الفتح": ومراد عثمان - رضي الله عنه - أن هذه الآية تُحَرّض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب، لكن العبرة بعموم اللفظ، وإنما كان عثمان - رضي الله عنه - يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة؛ خشيةً عليهم من الاغترار، والله أعلم، وقد روى مالك هذا الحديث في "الموطّأ" عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية، فقال من قِبَل نفسه: أراه يريد: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. انتهى، وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى، والله أعلم. انتهى (٢).

وقوله: (فِي كِتَابِ اللهِ) متعلّق بصفة لـ"آيةٌ"، وجواب "لولا" قوله: (مَا حَدَّثْتُكُمْ) حُذِف مفعوله الثاني، وقد ذكره في الرواية التالية حيث قال: "ما حدّثتكموه".

(إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ) التعبير بالرجل من باب التغليب، وإلا فالحكم شامل للمرأة أيضًا (فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ) بضم حرف المضارعة، من الإحسان، أي: يأتي به تامًّا بكمال صفته، وآدابه، وقال العينيّ رحمه الله: معنى إحسان الوضوء: الإتيان به تامًّا بصفته وآدابه، وتكميل سننه، فقوله: "فيُحسن" بالرفع عطف على قوله: "لا يتوضّأ"، والفاء فيه ليست للترتيب، والتعقيب؛ لأن إحسان الوضوء ليس متأخّرًا عن الوضوء حتى يُعطف


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١١١.
(٢) "الفتح" ١/ ٣١٤ رقم (١٦٠).