للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

احتمال التوزيع بلا تسوية، كما نَبّهَ عليه ابن دقيق العيد، ووقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاريّ: "فمضمض، واستنثَرَ ثلاث مرّات من غرفة واحدة"، واستُدِلّ بها على الجمع بغرفة واحدة، قال الحافظ: وفيه نظرٌ؛ لما أشرنا إليه من اتحاد المخرج، فتقدم الزيادةُ. انتهى (١). وفي رواية مالك التالية: "فمضمض، واستنثر ثلاثًا"، والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس (٢).

(ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا وقع في صحيح مسلم: "أدخل يده" بلفظ الإفراد، وكذا في أكثر روايات البخاريّ، ووقع في رواية للبخاريّ في حديث عبد الله بن زيد هذا: "ثم أدخل يديه، فاغترف بهما، فغسل وجهه ثلاثًا"، وفي "صحيح البخاري" أيضًا من رواية ابن عباس: "ثم أخذ غرفة، فجَعَل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ"، وفي "سنن أبي داود" والبيهقيّ من رواية عليّ - رضي الله عنه - في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا، فأخذ بهما حَفْنةً من ماء، فضرب بها على وجهه".

فهذه أحاديثُ في بعضها "يده"، وفي بعضها "يديه"، وفي بعضها "يده، وضمّ إليها الأخرى" فهي دالّة على جواز الأمور الثلاثة، وأن الجميع سنةٌ، ويُجْمَع بين الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذلك في مرّات، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا - يعني الشافعيّةَ - ولكن الصحيح منها والمشهور الذي قَطَع به الجمهور، ونَصّ عليه الشافعيّ - رحمه الله - في الْبُوَيْطِيّ، والمزنيّ أن المستحبّ أخذ الماء للوجه باليدين جميعًا؛ لكونه أسهل، وأقرب إلى الإسباغ، والله تعالى أعلم. قال أصحابنا: ويستحب أن يبدأ في غسل وجهه بأعلاه؛ لكونه أشرف، ولأنه أقرب إلى الاستيعاب، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (٣).


(١) "الفتح" ١/ ٣٤٩.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٤٩.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ١٢٢ - ١٢٣.