وقال في "الفتح": لم تختلف الروايات في ذلك - أي في غسل وجهه ثلاثًا - ويلزم مَن استَدَلّ بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح أن يَسْتَدِلّ به على وجوب الترتيب؛ للإتيان بقوله:"ثم" في الجميع، لأن كلًّا من الحُكمين مُجْمَل في الآية بيّنته السنّة بالفعل. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: وجوب الترتيب هو الحقّ، كما أسلفنا بحثه مستوفًى في شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
(ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) تثنية مِرْفق - بكسر الميم، وفتح الفاء - وهو العظم الناتئ في آخر الذراع، سُمّي بذلك؛ لأنه يُرْتَفَق به في الاتكاء ونحوه.
قال في "الفتح": قد اختَلَف العلماء: هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال المعظم: نعم، عدا زُفَر، وحكاه بعضهم عن مالك، واحتَجّ بعضهم للجمهور بأن "إلى" في الآية بمعنى "مع"، كقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}.
وتُعُقِّب بأنه خلاف الظاهر.
وأجيب بأن القرينة دَلّت عليه، وهي كون ما بعد "إلى" من جنس ما قبلها، وقال ابن القصار: اليد يتناولها الاسم إلى الإبط، لحديث عمار - رضي الله عنه - أنه تيمم إلى الإبط، وهو من أهل اللغة، فلما جاء قوله تعالى:{إِلَى الْمَرَافِقِ} وبقي الْمِرْفَق مغسولًا مع الذراعين بحقّ الاسم. انتهى.
فعلى هذا فـ "إلى" هنا حَدّ للمتروك من غسل اليدين، لا للمغسول، وفي كون ذلك ظاهرًا من السياق نظرٌ، والله أعلم.
وقال الزمخشريّ: لفظ "إلى" يفيد معنى الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} دليلُ عدم الدخول النهيُ عن الوصال، وقول القائل: حفظت القرآن من أوله إلى آخره، دليلُ الدخول كون الكلام مسوقًا لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى: