للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) تقدّم البحث عن هذه الجملة آنفًا (قَالَ) أي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ("إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ) أي استعمل الجمارَ، وهي الحجارة الصغيرة في الاستنجاء، وحمله بعضهم على استعمال البَخُور، فإنه يقال فيه: تَجَمَّر، واستجمر، حكاه ابن حبيب، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، ولا يصحّ عنه، وابن عبد البر عن مالك، وروى ابن خزيمة في "صحيحه" عنه خلافه، وقال عبد الرزاق، عن معمر أيضًا بموافقة الجمهور، واستَدَلّ بعض من نَفَى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث؛ للإتيان فيه بحرف الشرط، ولا دلالة فيه، وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء، أو بالأحجار؛ قاله في "الفتح" (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: أما الاستجمار: فهو مسح محلّ البول والغائط بالْجِمَار، وهي الأحجار الصغار، قال العلماء: يقال: الاستطابةُ، والاستجمار، والاستنجاء لتطهير محلّ البول والغائط، فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالأحجار، وأما الاستطابة، والاستنجاء، فيكونان بالماء ويكونان بالأحجار.

قال: هذا الذي ذكرناه من معنى الاستجمار هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء من اللغويين، والمحدثين، والفقهاء.

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: اختَلَف قولُ مالك وغيره في معنى الاستجمار المذكور في هذا الحديث، فقيل: هذا، وقيل: المراد به في الْبَخُور، أن يأخذ منه ثلاث قِطَع، أو يأخذ منه ثلاث مرات، يَسْتَعمل واحدة بعد أخرى، قال: والأول أظهر، والله أعلم، والصحيح المعروف ما قدمناه. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (٢).

وقال العينيّ - رحمه الله - في "شرحه" بعد ذكره ما تقدّم: إنما سُمّي به التمسّح بالجمار التي هي الأحجار الصغار؛ لأنه يُطيّب المحلّ كما يُطيّبه الاستجمار بالْبَخُور، ومنه سُمّيت جمار الحج، وهي الحصيات التي يُرْمَى بها. انتهى (٣).


(١) ١/ ٣١٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٢٥.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٣٠٩.