(فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا) أي ليجعل الأحجار التي يستنجي بها وترًا ثلاثًا، لا أقلّ؛ لما أخرجه المصنّف من حديث سلمان - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال "ولا يستنج أحدكم بأقلّ من ثلاثة أحجار".
وقال النوويّ - رحمه الله -: المراد بالإيتار أن يكون عدد الْمَسَحَات ثلاثًا، أو خمسًا، أو فوق ذلك من الأوتار، ومذهب الشافعيّ أن الإيتار فيما زاد على الثلاث مستحبّ، وحاصل مذهبه أن الإنقاء واجب، واستيفاء ثلاث مَسَحَات واجبٌ، فإن حَصَل الإنقاء بثلاث فلا زيادة، وإن لم يحصل وجب الزيادة، ثم إن حَصَل بوتر فلا زيادة، وإن حصل بشفع كأربع، أو ستّ استُحِبّ الإيتار.
وقال بعض أصحاب الشافعيّ: يجب الإيتار مطلقًا؛ لظاهر هذا الحديث، وحجة الجمهور الحديث الصحيح في "السنن" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَن استَجْمَر فليُوتِرْ، مَن فَعَل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج"، ويَحْمِلون حديث الباب على الثلاث، وعلى الندب فيما زاد. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح": وبهذا أخذ الشافعيّ، وأحمد، وأصحاب الحديث، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاثة، مع مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها، فيزاد حتى ينقى، لكن يُستحبّ مع ذلك الإيتار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن استجمر فليوتر"، وليس بواجب؛ لزيادةٍ في "سنن أبي داود" حسنة الإسناد: قال: "ومن لا فلا حرج"، وبهذا يحصل التوفيق بين الروايات في هذا الباب. انتهى، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ) أي شرع في الوضوء (فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لْيَنْتَثِرْ) وفي نسخة: "فليَنْثُر": أي لِيُخْرِج الماء الذي استنشقه، وذلك يكون بريح الأنف بإعانة يده، أو بغيرها مع إخراج الأذى؛ لما يأتي من قوله:"فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"؛ ولما فيه من المعونة على القراءة؛ لأن تنقية مجرى النفس تصحّح مخارج الحروف.
و"الاستنثار": استفعال، من النَّثْر - بالنون، والمثلَّثة - وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ، أي يجذبه بريح الأنف؛ لتنظيف ما في داخله، فيخرج