للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا لنجاسة على أعقابهم، فيلزم من الحديث بُطلان المسح على الرجلين على الوجه الذي يقول به من يُجيز المسح عليها، وهو أن يكون على ظاهر القدمين، وهو ظاهرٌ، فتعيّن الغسل، وهو المطلوب، وأما القول بالمسح على وجه يستوعب ظاهر القدم وباطنه، وكذا القول بأن اللازم أحد الأمرين، إما الغسل، وإما المسح على الظاهر، وهم قد اختاروا الغسل، فلزمهم استيعابه، فورد الوعيد لتركهم ذلك، فهو ما لم يقل به أحدٌ، فلا يضرّ احتماله باتّفاق. انتهى.

وقال العينيّ - رحمه الله - عند شرح قوله: "ونحن نتوضّأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا" ما نصّه: قال القاضي عياضٌ - رحمه الله -: معناه نغسل، كما هو المراد في الآية بدليل تباين الروايات، وليس معناه ما أشار إليه بعضهم أنه دليلٌ على أنهم كانوا يمسحون، فنهاهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأمرهم بالغسل، وقالوا أيضًا: لو كان غسلًا لأمرهم بالإعادة لِمَا صلّوا، وهذا لا حجة فيه لقائله؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أعلمهم بأنهم مستوجبون النار على فعلهم بقوله: "ويلٌ للأعقاب من النار"، وهذا لا يكون إلا في الواجب، وقد أمرهم بالغسل بقوله: "أسبغوا الوضوء"، ولم يأت أنهم صلّوا بهذا الوضوء، ولا أنها كانت عادتهم قبلُ، فيلزم أمرهم بالإعادة.

وقال الطحاويّ - رحمه الله - ما ملخّصه: إنهم كانوا يمسحون عليها مثل مسح الرأس، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعهم عن ذلك، وأمرهم بالغسل، فهذا يدلّ على انتساخ ما كانوا يفعلونه من المسح، وفيه نظرٌ؛ لأن قوله: "نَمْسَح على أرجلنا" يَحْتَمِل معناه: نغسل غسلًا خفيفًا مُبَقّعًا حتى كأنه مسح، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى: "رأى قومًا توضّئوا، وكأنهم تركوا من أرجلهم شيئًا"، فهذا يدلّ على أنهم كانوا يَغسِلون، ولكن غسلًا قريبًا من المسح، فذلك قال لهم: "أسبِغُوا الوضوء"، وأيضًا إنما يكون الوعيد على ترك الفرض، ولو لم يكن الغسل في الأول فرضًا عندهم لَمَا توجّه الوعيد؛ لأن المسح لو كان هو المشهور فيما بينهم كان يأمرهم بتركه، وانتقالهم إلى الغسل بدون الوعيد، ولأجل ذلك قال القاضي عياض - رحمه الله -: معناه نغسل كما ذكرناه آنفًا، والصواب أن يقال: إن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسباغ الوضوء، ووعيده، وإنكاره عليهم في ذلك الغسل يدلّ على أن وظيفة الرجلين هو الغسل الوافي، لا الغسل المشابه