جملة الصحابة، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم قرني" على الخصوص، وإن كان مخرجه العموم، أو معناه: خير الناس في قرني، يعني السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة، وهم المرادون بالحديث، وأما مَن خَلّط في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وإن رآه، وصَحِبه، ولم يكن له سابقة، ولا أثرٌ في الدين، فقد يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول مَن يَفْضلُهم، على ما دلت عليه الآثار.
قال القاضي: وقد ذهب إلى هذا أيضًا غيره من المتكلمين على المعاني، قال: وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا، وأن مَن صَحِب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ورآه مرّةً من عمره، وحَصَلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتي بعدُ، فإن فضيلة الصحبة لا يَعْدِلها عمل، قالوا: وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واحتجُّوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نَصِيفه" متّفقٌ عليه، قال: وحجة الآخر عن هذا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لبعضهم عن بعض، فدلّ أن ذلك للخصوص، لا للعموم. انتهى كلام القاضي رحمهُ اللهُ (١).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ بعد ذكره أن ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ قال: إنه يكون فيمن بعد الصحابة من يكون أفضل ممن كان في جملة الصحابة: وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا، وأن من صَحِب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ورآه ولو مرّةً من عمره أفضل من كلّ من يأتي بعدُ، وأن فضيلة الصحبة لا يَعْدلها عملٌ، وهذا هو الحقّ الذي لا ينبغي أن يُصار إلى خلافه؛ لأمور:
[أولها]: مزيّة الصحبة، ومشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[وثانيها]: فضيلة السبق للإسلام.
[وثالثها]: خُصوصيّة الذبّ عن حضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[ورابعها]: فضيلة الهجرة والنُّصرة.
[وخامسها]: ضبطهم للشريعة، وحفظها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.