للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[وثامنها]: أن كلّ خير وفضل وعلم وجهاد ومعروف في الشريعة إلى يوم القيامة، فحظّهم منه أكمل حظّ، وثوابهم فيه أجزل ثواب؛ لأنهم سَنُّوا سُنَن الخير، وافتتحوا أبوابه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنةً كان له أجرها، وأجر مَن عَمِل بها إلى يوم القيامة"، رواه مسلم، ولا شكّ في أنهم الذين سَنُّوا جميع السنن، وسابقوا إلى المكارم، ولو عُدّدت مكارمهم، وفُسّرت خواصّهم، وحُصِرت لملأت أسفارًا، ولكلّت الأعين بمطالعتها حَيَارى.

وعلى هذه الجملة قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البزار عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "إن الله اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعةً - يعني أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا - فجعلهم أصحابي" وقال: "في أصحابي كلّهم خير" (١).

وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الله في أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم، ولا نصيفه"، متّفق عليه.

وكفى من ذلك كلّه ثناء الله تعالى عليهم جملةً، وتفصيلًا، وتعيينًا وإبهامًا، ولم يحصل شيء من ذلك لمن بعدهم.

فأما استدلال المخالف بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إخواننا"، فلا حجة فيه؛ لأن الصحابة قد حصل لهم من هذه الأخوّة الحظّ الأوفر؛ لأن لهم الأخوّة اليقينيّة العامّة، وانفردت الصحابة بخصوصيّة الصحبة.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "للعامل منهم أجر خمسين منكم"، فلا حجة فيه؛ لأن ذلك إن صحّ إنما هو في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنه قد قال - صلى الله عليه وسلم - في آخره: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون"، ولا بُعْد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه، ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد القرطبيّ رحمهُ اللهُ في هذا البحث، وأفاد،


(١) رواه البزّار كما في "كشف الأستار" (٢٧٦٣) وقال الهيثميّ: ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف. انتهى. "مجمع الزوائد" (١٠/ ١٦).
(٢) "المفهم" ١/ ٥٠١ - ٥٠٣.