لِضَرّاء، ولا لشدّة، ولا لرخاء، حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم، وكذلك قال غير واحد من علماء السلف.
وأما المرابطة: فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس، وسهل بن حنيف، ومحمد بن كعب القُرَظيّ، وغيرهم، ورَوَى ابن أبي حاتم ها هنا الحديث الذي رواه مسلم - يعني حديث الباب.
وأخرج ابن مردويه بسنده: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أقبل علي أبو هريرة يومًا، فقال: أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}؟ قلت: لا، قال: أما إنه لم يكن في زمان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوٌ يرابطون فيه، ولكنها نزلت في قوم يَعْمُرون المساجد، ويصلون الصلاة في مواقيتها، ثم يذكرون الله فيها، فعليهم أنزلت:{اصْبِرُوا} أي على الصلوات الخمس، {وَصَابِرُوا} أنفسكم وهواكم، {وَرَابِطُوا} في مساجدكم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فيما عليكم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وقوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي في جميع أموركم وأحوالكم، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن:"اتّقِ اللهَ حيثما كنت، وأَتْبع السيئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخلق حسن".
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي في الدنيا والآخرة، وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أنبأنا أبو صَخْر، عن محمد بن كعب الْقُرَظيّ أنه كان يقول في قول الله عزَّ وجلَّ:{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يقول: اتّقوني فيما بيني وبينكم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يقول: غَدًا إذا لقيتموني. انتهى كلام ابن كثير رحمهُ اللهُ (١).
وقال أبو عبد الله القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} الآية خَتَمَ تعالى السورة بما تضمنته هذه الآية العاشرة من الوصاة التي جَمَعت الظهور في الدنيا على الأعداء، والفوزَ بنعيم الآخرة، فَحَضَّ على الصبر على الطاعات، وعن الشهوات، والصبر: الحبس، وأَمَر بالمصابرة،