للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقيل: معناه مصابرة الأعداء، قاله زيد بن أسلم، وقال الحسن: على الصلوات الخمس، وقيل: إدامة مخالفة النفس عن شهواتها، فهي تدعو، وهو يَنْزِع، وقال عطاء، والقُرَظيّ: صابروا الوعد الذي وُعِدتم، أي لا تيأسوا، وانتظروا الفرج، قال - صلى الله عليه وسلم -: "انتظار الفرج بالصبر عبادة" (١)، واختار هذا القول أبو عمر رحمهُ اللهُ، والأول قول الجمهور، ومنه قول عنترة [من الطويل]:

فَلَمْ أَرَ حَيًّا صَابَرُوا مِثْلَ صَبْرِنَا … وَلَا كَافَحُوا مِثْلَ الَّذِينَ نُكَافِحُ

فقوله: "صابروا مثل صبرنا": أي صابروا العدوّ في الحرب، ولم يَبْدُ منهم جُبْنٌ ولا خَوَرٌ، والمكافحة: المواجهة، والمقابلة في الحرب.

ولذلك اختلفوا في معنى قوله: {وَرَابِطُوا}، فقال جمهور الأمة: رابِطُوا أعداءكم بالخيل، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}، وفي "الموطأ" عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: كتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر بن الخطاب، يذكر له جُموعًا من الروم، وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر: أما بعدُ: فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن شدّة، يجعل الله له بعدها فرجًا، وإنه لن يَغْلِب عسرٌ يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)}.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة، ولم يكن في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو يُرابَط فيه (٢)، رواه الحاكم أبو عبد الله في "صحيحه"، واحتج أبو سلمة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الْخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط"، ثلاثًا، رواه مالك.


(١) حديث ضعيف، أخرجه الترمذيّ في "جامعه" ٥/ ٥٦٥.
(٢) وقال الحافظ رحمهُ اللهُ في "الفتح": وما احتجّ به أبو سلمة لا حجّة فيه، ولا سيما مع ثبوت حديث الباب، فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رباطٌ، فلا يَمنع ذلك من الأمر به، والترغيب فيه، ويَحتمل أن يكون المراد كلا الأمرين: رباط الجهاد، وانتظار الصلاة، أو ما هو أعمّ من ذلك. انتهى.