للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن عطية رحمهُ اللهُ: والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله، أصلها مِن ربط الخيل، ثم سمي كُلُّ ملازم لِثَغْر من ثغور الإسلام مرابطًا، فارسًا كان أو راجلًا، واللفظ مأخوذ من الربط، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "فذلكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله، والرباط اللغوي هو الأول، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الشديد بالصُّرَعة"، وقوله: "ليس المسكين بهذا الطَّوّاف".

قال القرطبيّ: قوله: "والرباط اللغويّ هو الأول" ليس بِمُسَلَّم، فإن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها، قد قال: "الرباط ملازمة الثغور، ومواظبة الصلاة أيضًا". فقد حَصَل أن انتظار الصلاة رباط لغويّ حقيقةً كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وأكثرُ مِن هذا ما قاله الشيبانيّ: إنه يقال: ماءٌ مترابطٌ: أي دائمٌ لا يَنْزَح، حكاه ابن فارس، وهو يقتضي تعدية الرباط لغةً إلى غير ما ذكرناه، فإن المرابطة عند العرب العقد على الشيء، حتى لا يَنْحَلَّ، فيعود إلى ما كان صَبَرَ عنه، فيحبسُ القلب على النية الحسنة، والجسم على فعل الطاعة، ومن أعظمها، وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله، كما نُصّ عليه في التنزيل في قوله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}، وارتباطُ النفس على الصلوات، كما قاله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، رواه أبو هريرة، وجابر، وعليّ - رضي الله عنهم -، ولا عِطْرَ بعد عروس. انتهى المقصود من كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من أن تفسير الآية هو المرابطة في ثَغْر العدوّ هو الأرجح، ولكن لا ينافي ذلك أن يكون المرابطة في الخصال المذكورة في حديث الباب رباطًا لغويًّا أيضًا؛ لأن أهل اللغة قد أثبتوه، كما مرّ آنفًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قد ورد في فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، فقال:

(٦٤٦٢) حدثنا عفّان، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ثابت، عن


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٤/ ٣٢٢ - ٣٢٧.