للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإذا كانت موصولةً فالأحسن استعمالُها بلفظ واحد، وبعضهم يقول: هو الأفصح، وتجوز المطابقة، نحو: مررت بأيهم قام، وبأيتهن قامت، وتقع صفةً تابعةً لموصوف، وتطابَقُ في التذكير والتأنيث؛ تشبيهًا بالصفات المشتقّات، نحو: برجل أَيِّ رجلٍ، وبامرأة أيَّةِ امرأةٍ، وحَكَى الجوهري التذكير فيها أيضًا، فيقال: مررت بجاريةٍ أَيّ جارية، ذكره الفيّوميّ رحمهُ اللهُ (١).

(كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟) أي في أيّ وقت كان، ليلًا أو نهارًا، قالت عائشة - رضي الله عنها - مجيبةً عن هذا السؤال (قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ) متعلّق بمحذوف دلّ عليه السؤال، أي يبدأ بالسواك، أي الاستياك، أو باستعمال السواك، على ما تقدّم من إطلاقه على المعنيين.

قال السنديّ رحمهُ اللهُ: ولا يَخفى أن دخوله البيت لا يختصّ بوقت دون وقتٍ، فكذا السواك، ولعله إذا انقطع عن الناس بالوحي، وقيل: كان ذلك لاشتغاله بالصلاة النافلة في البيت، وقيل: غير ذلك. انتهى.

وقال القرطبيّ: يَحْتَمل أن يكون ذلك لأنه كان يبدأ بصلاة النافلة، فقلّما كان يتنفّل في المسجد، فيكون السواك لأجلها. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لأنه كان يبدأ بصلاة النافلة" فيه نظر لا يَخفى؛ لأنه لم يُنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان كلّما دخل البيت بدأ بالصلاة، كما نُقل في هذا الحديث أنه كان يبدأ بالسواك، فإن حديث عائشة - رضي الله عنها - يدلّ على مداومته على السواك عند الدخول؛ لا سيما عند من يقول: إن "كان" تقتضي الدوام، وهو الراجح، كما سبق بيانه، وأما أنه كان يبدأ بالصلاة على الدوام، فلم يرد ما يدلّ عليه، وغاية ما هنالك أنه كان لا يتنفّل غالبًا إلا في البيت، وهذا لا يلزم منه أن يُصلي كلما دخل، فتبصّر، فالأحسن في التعليل ما قاله بعضهم من أن ذلك من باب حسن معاشرة الأهل بإزالة ما يحصل من تغيّر الفم عند محادثة الناس، أو طول السكوت، أو غير ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع "المصباح المنير" ١/ ٣٤.
(٢) "المفهم" ١/ ٥٠٩.