للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: هذه الخصال مجتمعة في أنها محافظة على حسن الهيئة والنظافة، وكلاهما يحصل به البقاء على أصل كمال الْخِلْقة التي خُلِق الإنسان عليها، وبقاء هذه الأمور، وترك إزالتها يُشوِّه الإنسان، ويُقبِّحه بحيث يُستقذَرُ، ويجتنَبُ، فيخرج عما تقتضيه الفطرة الأولى، فسُمّيت هذه الخصال فِطرةً لهذا المعنى، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

٥ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": ويتعلَّق بهذه الخصال مصالحُ دينية ودنيوية، تُدرَك بالتتبع، منها تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملةً وتفصيلًا، والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يَتَأَذَّى به، من رائحة كريهة، ومخالفةُ شعار الكفّار، من المجوس، واليهود، والنصارى، وعبّاد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: ٦٤]؛ لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حَسَّنتُ صوركم، فلا تُشَوِّهوها بما يُقَبِّحها، أو حافظوا على ما يَستَمِرّ به حسنها، وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة، وعلى التآلف المطلوب؛ لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة، كان أَدْعَى لانبساط النفس إليه، فيُقْبَل قوله، ويُحمَد رأيه، والعكس بالعكس. انتهى (٢).

٦ - (ومنها): ما قاله ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أن هذه الخصال هي التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم؛ فأتمّهنّ، فجعله الله تعالى إمامًا.

أخرج عبد الرزاق في "تفسيره"، والطبريّ بسند صحيح، عن طاوس، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} الآية [البقرة: ١٢٤] قال: ابتلاه الله تعالى بالطهارة، خمس في الرأس، وخمس في الجسد … الحديث (٣).

وفي "تفسير ابن كثير" رَحِمَهُ اللهُ: وقد اختُلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل؛، فرُوي عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في ذلك روايات، فرُوي عنه: ابتلاه الله بالمناسك، ورُوي عنه: ابتلاه بالطهارة، خمس في الرأس، وخمس


(١) "المفهم" ١/ ٥١١ - ٥١٢.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٣٥١.
(٣) راجع "الفتح" ١٠/ ٣٥٠.