وكذا قاله غيره، قالوا: والمعنى أنها من سنن الأنبياء.
وقالت طائفة: المعنى بالفطرة الدين، وبه جزم أبو نعيم في "المستخرج"، وقال النووي في "شرح المهذّب": جزم أبو إسحاق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث الدين.
واستَشْكَل ابن الصلاح ما ذكره الخطابيّ، وقال: معنى الفطرة بعيدٌ من معنى السنة، لكن لعل المراد أنه على حذف مضاف، أي سنة الفطرة.
وتعقّبه النوويّ بأن الذي نقله الخطابي هو الصواب، فإن في "صحيح البخاري " عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"من السنة قَصُّ الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار"، قال: وأصح ما فُسِّر الحديث بما جاء في رواية أخرى، لا سيّما في البخاري. انتهى.
قال الحافظ: وقد تبعه شيخنا ابن الملَقّن على هذا، ولم أَرَ الذي قاله في شيء من نسخ البخاريّ، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ:"الفطرة"، وكذا من حديث أبي هريرة. نعم، وقع التعبير بالسنة موضع الفطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية، وفي أخرى بلفظ:"الفطرة"، كما في رواية مسلم، والنسائيّ، وغيرهما.
وقال الراغب: أصل الفَطْر - بفتح الفاء - الشّقّ طُولًا، ويُطلَق على الوهي، وعلى الاختراع، وعلى الإيجاد، والفِطْرة: الإيجاد على غير مثال.
وقال أبو شامة: أصل الفطرة الْخِلْقة المبتدَأَة، ومنه فاطر السماوات والأرض، أي المبتدئ خَلْقَهُنّ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ مولود يولد على الفطرة"، أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه، وفيه إشارة إلى قوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠]، والمعنى أن كلَّ أحد لو تُرِك من وقت ولادته، وما يؤديه إليه نظره، لأدّاه إلى الدين الحقّ، وهو التوحيد، ويؤيده قوله تعالى قبلها:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ}[الروم: ٣٠] وإليه يشير في بقية الحديث، حيث عَقّبه بقوله:"فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه".
والمراد بالفطرة في حديث الباب أن هذه الأشياء إذا فُعِلت اتَّصَفَ فاعلُها بالفطرة التي فَطَر الله العباد عليها، وحَثَّهم عليها، واستحبها لهم؛ ليكونوا على أكمل الصفات، وأشرفها صورة. انتهى.