للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد ردّ القاضي البيضاويّ الفطرةَ في حديث الباب إلى مجموع ما وَرَدَ في معناها، وهو الاختراع، والسنة، فقال: هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، وكأنها أَمْرٌ جِبِلِّيّ، فُطِروا عليها. انتهى (١).

وقال العلامة أبو عبد الله القرطبي المفسّر رَحِمَهُ اللهُ: واختَلَف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة، منها:

الإسلام، قاله أبو هريرة، وابن شهاب، وغيرهما، قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف، من أهل التأويل.

واحتجوا بالآية، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعَضَدُوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعيّ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للناس يومًا: "ألا أحدّثكم بما حدّثني الله في كتابه؟ إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء، مسلمين، وأعطاهم المال حلالًا، لا حرام فيه، فجَعَلوا مما أعطاهم الله حلالًا وحرامًا … " الحديث (٢)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من الفطرة"، فذكر منها قصّ الشارب، وهو من سنن الإسلام، وعلى هذا التأويل، فيكون معنى الحديث أن الطفل خُلِق سليمًا من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم، حين أخرجهم من صلبه، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يُدركوا في الجنة، أولاد مسلمين كانوا، أو أولاد كفار.

وقال آخرون: الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فَطَر الله عليه خلقه، من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، قالوا: والفطرة في كلام العرب البداءة، والفاطر المبتدئ.

واحتجُّوا بما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، قال المروزيّ: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول، ثم تركه.


(١) راجع "الفتح" ١٠/ ٣٥١ - ٣٥٢ "كتاب اللباس" رقم (٥٨٨٩).
(٢) حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه - أخرجه مسلم مطوّلًا في "كتاب الجنة، وصفة نعيمها"، برقم (٢٨٦٥).