للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عمر في كتاب "التمهيد" له: ما رَسَمَه مالك في "موطئه" وذَكَر في "باب القدر" فيه من الآثار يدلّ على أن مذهبه في ذلك نحوُ هذا، والله أعلم.

ومما احتجُّوا به ما رُوِيَ عن كعب القرظيّ في قول الله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: ٣٠] قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صَيَّره إلى الضلالة، وإن عَمِل بأعمال الهدى، ومَن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيَّره إلى الهدى، وإن عَمِل بأعمال الضلالة، ابتَدَأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعَمِل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم ردَّه الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه، قال: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٣٤].

قال القرطبيّ: وجاء معنى قول كعب هذا مرفوعًا من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دُعِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عُصفُور من عصافير الجنة، لم يَعمَل السوء، ولم يدركه، قال: "أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب اَبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم"، أخرجه ابن ماجه في "السنن". وخرّج أبو عيسى الترمذيّ، عن عبد الله بن عمرو، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي يده كتابان، فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان؟ "، فقلنا: لا، يا رسول الله، إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: "هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمِل على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا يُنقَص منهم أبدًا"، ثم قال للذي في شماله: "هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمِل على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا … "، وذَكَر الحديث، وقال فيه: حديث حسن.

وقالت فرقة: ليس المراد بقوله تعالى: {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، ولا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ مولود يولد على الفطرة" العموم، وإنما المراد بالناس المؤمنون؛ إذ لو فَطَر الجميع على الإسلام، لَمَا كَفَرَ أحدٌ، وقد ثبت أنه خَلَق أقوامًا للنار، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: ١٧٩]، وأخرج الذرية من صلب آدم سوداء وبيضاء، وقال في الغلام الذي قتله الخضر: "طُبع يومَ طُبع كافرًا".