ورَوَى أبو سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال: صَلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بنهار، وفيه: وكان فيما حَفِظنا أن قال: ألا إن بني آدم خُلقوا طبقات شتّى، فمنهم من يولد مؤمنًا، ويحيا مؤمنًا، ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا، ويحيا كافرًا، ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا، ويحيا مؤمنًا، ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا، ويحيا كافرًا، ويموت مؤمنًا، ومنهم حَسَنُ القضاء، حسَنُ الطلب"، أخرجه الترمذيّ (١).
قالوا: والعموم بمعنى الخصوص كثير في لسان العرب، ألا ترى إلى قوله عز وجل:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} الآية [الأحقاف: ٢٥]، ولم تُدَمِّر السماوات والأرض، وقوله:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: ٤٤]، ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة.
وقال إسحاق بن راهويه الحنظليّ: تَمّ الكلام عند قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}، ثم قال:{فِطْرَتَ اللَّهِ} أي فَطَر الله الخلق فطرة، إما بجنة أو نار، وإليه أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "كلُّ مولود يولد على الفطرة"، ولهذا قال: لا تبديل لخلق الله.
قال شيخنا أبو العباس: من قال: هي سابقة السعادة والشقاوة، فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال:{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ}، وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تُبَدَّل وتغير.
وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر: الفطرة هي الخلقة التي خُلِق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: "كلُّ مولود يولد على خلقةٍ، يَعْرِف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة"، يريد: خلقةً مخالفةً لخلقة البهائم التي لا تَصِل بخلقتها إلى معرفته.
واحتجُّوا على أن الفطرة الخلقةُ، والفاطر الخالق؛ لقول الله عز وجل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[فاطر: ١]، يعني خالقهنّ، وبقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[فاطر: ١]، يعني خالقهنّ، وبقوله:{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}[يس: ٢٢]، يعني خلقني، وبقوله:{الَّذِي فَطَرَهُنَّ}، يعني خلقهن،
(١) حديث ضعيف، أخرجه الترمذيّ، في "الجامع" برقم (٤/ ٤٨٣) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.