للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحق، كما خَلَق أعينهم وأسماعهم قابلةً للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحقّ، ودين الإسلام، وهو الدين الحقُّ، وقد دلّ على صحة هذا المعنى قوله: "كما تُنْتَجُ البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"، يعني أن البهيمة تَلِد ولدها كامل الخلقة، سليمًا من الآفات، فلو تُرِك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملًا بريئًا من العيوب، لكن يُتَصرَّف فيه، فيُجْدَع أذنه، ويوسم وجهه، فتطرأ عليه الآفات، والنقائص، فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقعٌ، وجهه واضح.

قال القرطبيّ: وهذا القول مع القول الأول، موافق له في المعنى، وأن ذلك بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا، وتأكدت حجة الله عليهم، بما نَصَب من الآيات الظاهرة، من خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، واختلاف الليل والنهار، فلما عَمِلَت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين، فدعتهم إلى اليهودية والنصرانية، فذهبت بأهوائهم يمينًا وشمالًا، وأنهم إن ماتوا صغارًا فهم في الجنة، أعني جميع الأطفال؛ لأن الله تعالى لَمّا أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذّرّ أقروا له بالربوبية، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} الآية [الأعراف: ١٧٢]، ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية، وأنه الله لا إله غيره، ثم يُكْتَب العبد في بطن أمه شقيًّا أو سعيدًا على الكتاب الأول، فمن كان في الكتاب الأول شقيًّا، عُمّر حتى يجري عليه القلم، فينقض الميثاق الذي أُخِذ عليه في صلب آدم بالشرك، ومن كان في الكتاب الأول سعيدًا عُمِّر حتى يجري عليه القلم، فيصير سعيدًا، ومن مات صغيرًا من أولاد المسلمين قَبْلَ أن يجري عليه القلم، فهم مع آبائهم في الجنة، ومن كان من أولاد المشركين، فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم؛ لأنهم ماتوا على الميثاق الأول، الذي أُخِذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق.

وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل التأويل، وهو يجمع بين الأحاديث، ويكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لَمّا سئل عن أولاد المشركين، فقال: "الله أعلم بما