للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانوا عاملين" يعني لو بلغوا، ودَلّ على هذا التأويل أيضًا حديث البخاريّ عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الحديث الطويل حديث الرؤيا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإبراهيم عليه السلام، وأما الولدان حوله، فكل مولود يولد على الفطرة قال: فقيل يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأولاد المشركين"، وهذا نَصّ، يرفع الخلاف، وهو أصحّ شيء رُوي في هذا الباب، وغيرُهُ من الأحاديث فيها عِلَلٌ، وليست من أحاديث الأئمة الفقهاء، قاله أبو عمر بن عبد البر رَحِمَهُ اللهُ.

وقد رُوِي من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين، فقال: "لم تكن لهم حسنات، فيُجْزَوا بها فيكونوا من ملوك الجنة، ولم تكن لهم سيئات، فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار، فهم خَدَم لأهل الجنة"، ذكره يحيى بن سلام في "التفسير" له. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث أنس - رضي الله عنه - الذي فيه أن أولاد المشركين خَدَم أهل الجنّة قال الحافظ في "الفتح": حديث ضعيف، أخرجه أبو داود الطيالسيّ، وأبو يعلى، قال: وللطبرانيّ، والبزّار من حديث سمُرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أولاد المشركين خَدَمُ أهل الجنّة"، وإسناده ضعيف. انتهى (١).

وهذا الذي قاله في "الفتح" من تضعيف هذا الحديث هو الذي يظهر لي، وأما محاولة الشيخ الألبانيّ رَحِمَهُ اللهُ في "السلسلة الصحيحة" (٢) في تصحيحه بمجموع طرقه، فعندي فيه نظر، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال الجامع: قد تبيّن بما سبق من الأدلّة أن القول بكون أولاد المشركين في الجنّة هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه المحقّقون - كما قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ -.

وقد ذكروا في هذه المسألة نحو عشرة أقوال، وليس هذا محلّ استيفائها، وإنما ذكرت هذا القدر بسبب تمْسير الفطرة الواردة في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة، وسأستوفي هذا البحث في "كتاب القدر" حيث يذكر


(١) راجع "الفتح" ٣/ ٢٩٠.
(٢) راجع "السلسلة الصحيحة" (٣/ ٤٥٢ - ٤٥٣) رقم (١٤٦٨).