المصنّف رَحِمَهُ اللهُ حديث:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة"(١) - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الفطرة خمس"، أو "خمس من الفطرة":
كذا وقع عند الشيخين، وأبي داود، والنسائيّ بالشك، من طريق سفيان بن عيينة، ووقع في رواية أحمد:"خمس من الفطرة"، ولم يشكّ، وكذا في رواية معمر، عن الزهري عند الترمذيّ، والنسائيّ، ووقع في رواية يونس بن يزيد التالية بلفظ:"الفطرة خمس"، وهي محمولة على الأولى.
قال الإمام ابن دقيق العيد رَحِمَهُ اللهُ: قوله في هذه الرواية: "الفطرة خمس"، وقد ورد في رواية أخرى:"خمسٌ من الفطرة"، وبين اللفظين تفاوتٌ ظاهرٌ، فإن الأول ظاهره الحصر، كما يقال: العالم في البلد زيدٌ، إلا أن الحصر في مثل هذا تارةً يكون حقيقيًّا، وتارة يكون مجازيًّا، والحقيقيّ مثاله ما ذكرناه من قولنا:"العالم في البلد زيد" إذا لم يكن فيها غيره، ومن المجاز:"الدين النصيحة"، كأنه بولغ في النصيحة إلى أن جُعل الدين إياها، وإن كان في الدين خصالٌ أخرى غيرها.
قال الجامع عفا الله عنه: تمثيله للمجازيّ بحديث "الدين النصيحة" فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنه لا يخرج منه شيء من أمور الدين، حيث استوعب جميع شعبه فيه بقوله:"لله، ولكتا به، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامّتهم"، فأي شيء من أمور الدين خرج عن هذا؟، فتأمّله بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: وإذا ثبت في الرواية الأخرى عدم الحصر - أعني قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من الفطرة" - وجب صرف هذه الرواية عن ظاهرها المقتضي للحصر، وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة أيضًا - يعني رواية مسلم الآتية -: "عشر من الفطرة"، وذلك أصرح في عدم الحصر، وأنصّ على ذلك. انتهى كلام ابن
(١) سيأتي - إن شاء الله تعالى - في "كتاب القدر" برقم (٢٦٥٨) برقم محمد فؤد عبد الباقي رَحِمَهُ اللهُ.