قال الجامع عفا الله عنه: قد سبق أن هذه الروايات كلّها ضعاف، لا تصلح للاحتجاج بها، فلا تغفل، والله تعالى أعلم.
واحتجّوا أيضًا بأن الخصال المنتظمة مع الختان ليست بواجبة، إلا عند بعض من شذّ، فلا يكون الختان واجبًا.
وأجيب بأنه لا مانع أن يراد بالفطرة، وبالسنّة في الحديث القدرُ المشترك الذي يَجمع الوجوب والندب، والطلب المؤكّد، فلا يدلّ ذلك على عدم الوجوب، ولا ثبوته، فيُطلب الدليل من غيره.
وأيضًا فلا مانع من جمع مختلفي الحكم بلفظ واحد كما في قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١]، فإيتاء الحقّ واجبٌ، والأكل مباح.
هكذا تمسّك به جماعة، وتعقّبه الفاكهانيّ في "شرح العمدة"، فقال: الفرق بين الآية والحديث أن الحديث تضمّن لفظة واحدة، استُعمِلت في الجميع، فتعيّن أن يُحمَل على أحد الأمرين: الوجوب، أو الندب، بخلاف الآية، فإن صيغة الأمر تكرّرت فيها، والظاهر الوجوب، فصُرِف في أحد الأمرين بدليلٍ، وفي الآخر على الأصل.
وهذا التعقّب إنما يتمّ على طريقة من يمنع استعمال اللفظ الواحد في معنيين، وأما من يُجيزه كالشافعيّة، فلا يَرِد عليهم.
ثم ذكر أدلّة من أوجب الاختتان، وهي التي تقدّمت في كلام العراقيّ.
ثم قال بعد أن ناقش الاستدلال على الوجوب بفعل إبراهيم عليه السلام ما حاصله: إن الاستدلال بذلك متوقّف على أنه كان في حقّ إبراهيم عليه السلام واجبًا، فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال به، وإلا فالنظر باقٍ. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ - كما قال العلامة الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ - أنه لم يقم دليلٌ صحيحٌ يدلّ على وجوب الختان، والمتيقّن الندب، كما في حديث:"خمسٌ من الفطرة"، ونحوه، والواجب الوقوف على المتيقّن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال منه.