للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقوى على الوجع، قال الغزاليّ: هو في الابتداء مُوجعٌ، ولكن يسهل على من اعتاده، قال: والحلق كافٍ؛ لأن المقصود النظافة.

وتُعُقِّب بأن الحكمة في نتفه أنه محلّ للرائحة الكريهة، وإنما ينشأ ذلك من الوسخ يجتمع بالعرق فيه، فيتلبّد، ويهيج، فشُرِع فيه النتف الذي يُضعفه، فتخفّ الرائحة به، بخلاف الحلق، فإنه يقوّي الشعر، ويهيجه، فتكثر الرائحة لذلك.

وقال ابن دقيق العيد رَحِمَهُ اللهُ: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكلّ مزيل، لكن بُيِّنَ أن النتف مقصود من جهة المعنى، فذكر نحو ما تقدّم، قال: وهو معنى ظاهر، لا يُهْمَلُ؛ فإن مَوْرِد النصّ إذا احتَمَل معنى مناسبًا يحتمل أن يكون مقصودًا في الحكم لا يُترَكُ، والذي يقوم مقام النتف في ذلك النورة، لكنه يُرِقّ الجلد، فقد يتأذّى صاحبه به، ولا سيّما إن كان جلده رقيقًا. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن مراعاة مورد النصّ هو الحقّ، كما أشار إليه ابن دقيق العيد رَحِمَهُ اللهُ، فلا ينبغي استعمال غير النتف إلا عند الحاجة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: يُستحبّ الابتداء بالإبط الأيمن؛ لحديث: "كان يُعجبه التيمّن في تنعّله، وترجّله، وطهوره، وفي شأنه كلّه"، متّفقٌ عليه، وكذلك يستحبّ أن يبدأ في قصّ الشارب بالجانب الأيمن، للحديث المذكور (٢).

وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" فوائد أُخر، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة عشرة): في اختلاف أهل العلم في حكم قصّ الشارب:

(اعلم): أنه اختَلَف العلماء في الشارب هل يُحلق، أو يُقصّ؟، فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه؛ لظاهر قوله: "أحفوا، وأنهكوا"، وهو قول الكوفيين.

وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وإليه ذهب مالك، وكان


(١) راجع "الفتح" ١٠/ ٣٥٦ - ٣٥٧.
(٢) راجع "نيل الأوطار" ١/ ١٦٨.