للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: أصل العبادة التذلّل والخضوع، وسُمّيت وظائف الشرع على المكلّفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها، ويفعلونها، خاضعين، متذلّلين لله تعالى (١).

وقوله: (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونكم غير مشركين به، أي وحّدوه بالعبادة متجرّدين عن الشرك، فإن من لم يتجرّد عن الشرك لم يكن آتيًا بعبادة الله تعالى وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) أي أدّوها مراعين شروطها، وأركانها، وواجباتها، وآدابها (وآتُو الزَّكَاةَ) أي أعطوها. مستحقّيها فـ "الزكاة" مفعول ثانٍ، والأول هو ما قدّرناه (وصُومُوا رَمَضَانَ) فيه إطلاق هذا الاسم من غير إضافة شهر، وهو الحقّ، وقد كرهه بعضهم، ولا وجه له (وأَعْطُوا الْخُمُسَ) مستحقّه، فـ "الخمسَ" مفعول ثان، والأول هو المقدّر، كسابقه (مِنَ الْغَنَائِمِ) جمع غنيمة، وهي ما نِيلَ من أهل الشرك عَنْوَةً، والحربُ قائمة، قاله الفيّومي (٢)، وقال ابن الأثير: هي ما أُصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب (٣). وأما الفَىْءُ فهو ما نِيلَ منهم بعدَ أن تَضَعَ الحربُ أوزارها (٤).

(وأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ) أي عن الانتباذ. في أربع أوعية (عَنِ الدُّبَّاءِ) بدل تفصيل من مجمل من الجار والمجرور قبله، وهي بضمّ أوله، وتشديد الموحّدة، ممدودًا: القرعة، كانت يُنبذ فيها، فيَضْرَى، أي يشتدّ، قاله الهرويّ (وَالْحَنْتَمِ) قد تقدّم أن أصحّ ما قيل فيها أنها جِرَارٌ، لأنه تفسير الأكثرين (والْمُزَفَّتِ) أي المطليّ بالزفت، وهو القار (والنَّقِيرِ) فَعِيل بمعنى مفعول، أي المنقور، وهو الجِذع المنقور وسطه، وإنما نُهُوا عن الانتباذ فيها؛ لأنها تُعجّل إسكار النبيذ، وقيل: غير ذلك مما سبق بيانه في شرح الحديث الماضي (قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟) "ما" استفهاميّة، وهو استفهام استبعاد، أي كيف عرفته، ولم يكن بأرض قومك؟ (قَالَ: "بَلَى") هي حرف إيجاب، فإذا


(١) راجع: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص ١٨ و ٣٢.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٥.
(٣) "النهاية" ٣/ ٣٨٩.
(٤) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٥.