للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غفلتهم. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعجبه التيمن ما استطاع في ترجله، ونعله، ووضوئه، ورَوَينا عنه أنه قال: "إذا توضأتم، فابدؤوا بميامنكم".

قال: وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بدأ، فغسل يده اليمنى، ثم اليسرى في الوضوء، وكذلك يَفْعَل المتوضئ إذا أراد اتباع السنة.

قال: وممن مذهبه أن المتوضئ يبدأ بيمينه قبل يساره: مالكٌ، وأهلُ المدينة، وسفيانُ الثوريّ، وأهلُ العراق، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُهُ، وأحمدُ بن حنبل، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

قال: وأجمعوا على أن لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه، وقد روينا عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما قالا: لا تبالي بأيّ يديك بدأت. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (٢).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: أجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة، لو خالفها فاته الفضل، وصَح وضوؤه، وقالت الشيعة: هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: إن صحّ الإجماع الذي ذكره ابن المنذر، والنوويّ كان صارفًا للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب في الحديث الذي أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، وغيرهم بإسناد صحيح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لَبِستم، أو توضأتم، فابدؤوا بأيامنكم"، وهو حديث صحيح، ونصّ صريح في الأمر بالبدء باليمين، لكنه مستحبّ؛ لما ذُكر من الإجماع، إن صحّ، وإلا فالأصل الوجوب؛ لأنه أمرٌ، وهو للوجوب، ولأنه ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه بدأ باليسار في وضوئه، فتثبت قولًا وفعلًا، لكن الأمر ما عرّفناك، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) انظر "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٩/ ١٢٦.
(٢) "الأوسط" ١/ ٣٨٦ - ٣٨٨.