للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

توضّأ، ومسح على خفّيه، فقلت له: أقبل المائدة، أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمتُ إلا بعد المائدة.

قال الترمذيّ رحمه اللهُ: هذا حديث مفسّر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفّين تأوّل أن مسح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الخفّين قبل نزول المائدة، وذَكَر جرير في حديثه أنه رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفّين بعد نزول المائدة. انتهى كلام الترمذيّ رحمه الله (١).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: قوله: "كان يعجبهم هذا الحديث .. إلخ": معناه: أن الله تعالى قال في سورة المائدة: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [٦]، فلو كان إسلام جرير متقدمًا على نزول المائدة، لاحْتَمَلَ كون حديثه في مسح الخفّ منسوخًا بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخرًا علمنا أن حديثه يُعْمَل به، وهو مُبَيِّن أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخفّ، فتكون السنة مُخَصّصةً للآية.

قال: ورَوَينا في "سنن البيهقيّ" عن إبراهيم بن أدهم، قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير - رضي الله عنه -. انتهى كلام النوويّ رحمه اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة ما ذُكِرَ في قصة جرير - رضي الله عنه - هذه: أن الذين أنكروا على جرير - رضي الله عنه - مسحه على خفّيه قالوا: إنما المسح عليهما كان قبل نزول المائدة التي ذُكر فيها الوضوء، وأرادوا بهذا القول أن المسح على الخفّين كان رُخصةً، ثم نُسخ بهذه الآية، فقال جرير - رضي الله عنه - ردًّا عليهم: ما أسلمت إلا بعد نزول آية المائدة، وليس المراد جميع سورة المائدة؛ لأن منها ما تأخّر نزوله عن إسلامه، كآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [٣]، فإنها نزلت يوم عرفة في حجة الوداع، وإسلام جرير كان في رمضان سنة عشر من الهجرة، وأما آية الوضوء التي هي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]، فنزلت في غزوة بني المصطلق، وكانت سنة خمس، أو


(١) "جامع الترمذيّ" ١/ ٨٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٦٤ - ١٦٥.