للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: وأما قوله: "يُلاثُ على أفواهها": فبضم المثنّاة من تحت، وتخفيف اللام، وآخره ثاء مثلثة، كذا ضبطناه، وكذا هو في أكثر الأصول، وفي أصل الحافظ أبي عامر الْعَبْدَرِيّ: "تُلاثُ" بالمثناة فوقُ، وكلاهما صحيح، فمعنى الأوّل: يُلَفُّ الخيط على أفواهها، ويُرْبَط به، ومعنى الثاني: تُلَفُّ الأسقية على أفواهها، كما يقال: ضربته على رأسه. انتهى (١).

قال عياضٌ رحمه الله تعالى: وإنما حضّهم على الشرب في آنية الأدَم، وهي الأسقية والموكَى المذكور في الأحاديث الأخر؛ لأنها لرقّة جلودها لا يمكن أن يتمّ فيها فساد الأشربة، وتخميرها حتى تنشقّ، ويظهر فيها، بخلاف غيرها من الأواني، فكانت آمن من هذا. انتهى (٢).

(قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ) قال النوويّ: كذا ضبطناه "كثيرة" بالهاء في آخره، ووقع في كثير من الأصول "كثير" بغير هاء، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: صحّ في أصولنا "كثير" من غير تاء التأنيث، والتقدير فيه على هذا: أرضنا مكانٌ كثيرُ الْجِرْذَان، ومن نظائره قول الله عز وجل -: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦].

وأما "الْجِرْذَان": فبكسر الجيم، وإسكان الراء، وبالذال المعجمة: جمعُ جُرَذٍ بضم الجيم، وفتح الراء، كنُغَرِ وبغْرَان، وصُرَدٍ وصِرْدَان، والْجُرَذُ: نوعٌ من الفأر، كذا قاله الجوهريّ وغيره، وقال الزُّبَيديّ في "مختصر العين": هو الذكرُ من الفأر، وأطلق جماعة من شُرّاح الحديث أنه الفأر.

(وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الْأَدَم) أي لكون الجرذان تأكلها، وهذا اعتذار منهم بكثرة الجرذان في أرضهم، وأَنها تأكلها، فلم يَعذرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قال المازريّ رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون إنما راجعوه لأنهم اعتقدوا أنه إنما يبني كثيرًا من شرعه على المصالح، وأن من المصلحة الرخصةَ عند الضرورات، فلم يعذِرهم - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه اعتقد أنه ليس بأمر غالبٍ يشقّ التحرّز منه، وأن هذا ليس مما يباح للضرورة (٣).


(١) "شرح مسلم" ١/ ١٩٢.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٦٩.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ١٧١.