قال: ولو غَسَل رجليه بنيّة الوضوء، ثم لبسهما، ثم أكمل باقي الأعضاء لم يُبَح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب، وكذا عند من لا يوجبه؛ بناءً على أن الطهارة لا تتبعض، لكن قال صاحب "الهداية" من الحنفية: شرطُ إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة، قال: والمراد بالكاملة وقت الحدث، لا وقت اللبس، ففي هذه الصورة إذا كَمَّل الوضوء، ثم أحدث جاز له المسح؛ لأنه وقتَ الحدث كان على طهارة كاملة. انتهى.
قال الحافظ: والحديث حجة عليه، لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطًا لجواز المسح، والمعلَّق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط، وقد سَلَّم أن المراد بالطهارة الكاملةُ.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا تعقّب جيّدٌ، وقد قدّمتُ البحث في هذا مستوفًى في المسألة التاسعة من مسائل حديث جرير - رضي الله عنه -، ورجحت القول باشتراط كمال الطهارة قبل لبس الخفّ، كما دلّ عليه ظاهر الحديث، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإني أدخلتهما، طاهرتين"، وقال:"نعم إذا أدخلهما، وهما طاهرتان"، فتبصّر، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال: ولو توضأ مرتبًا، وبقي غسل إحدى رجليه، فلبس ثم غسل الثانية، ولبس لم يُبَح له المسح عند الأكثر، وأجازه الثوريّ، والكوفيون، والمزنيّ صاحب الشافعيّ، ومُطَرِّف صاحب مالك، وابن المنذر، وغيرهم؛ لصدق أنه أدخل كلًّا من رجليه الخفين، وهي طاهرة.
وتُعُقّب بأن الحكم المرتب على التثنية، غير الحكم المرتب على الوحدة، واستضعفه ابن دقيق العيد؛ لأن الاحتمال باقٍ، قال: لكن إن ضم إليه دليلٌ يدلّ على أن الطهارة لا تتبعض اتجه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: مذهب الأولين عندي أقرب لأنه الذي يقتضيه ظاهر النصّ؛ إذ طهارة الوضوء لا تكون معتبرة إلا بكمالها.
وقد أجاد الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث ترجم في "صحيحه"، فقال: باب الدليل على أن لابس أحد الخفّين قبل غسل كلا الرجلين إذا لبس الخفّ الآخر بعد غسل الرجل الأخرى، غير جائز له المسح على الخفّين إذا أحدث؛ إذ هو لابس أحد الخفّين قبل كمال الطهارة، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما رخَّص في المسح على