قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذهب إليه الإمام أحمد ومن معه من جواز الاقتصار على مسح العمامة هو الحقّ؛ لصحّة الأحاديث بذلك.
والحاصل أنه يجب تعميم الرأس بالمسح، إما مباشرة، أو على ما لا يلاقيه من العمامة، ونحوها، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في المسألة العاشرة من مسائل الحديث [٥٤٤](٢٢٦) فراجعه تستفد علمًا جَمًّا.
[تنبيه مهمّ]: ثم وجدت للعلّامة أبي الحسن عبيد الله بن محمد المباركفوريّ، صاحب "مِرْعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" رحمه اللهُ بحثًا نفيسًا في هذه المسألة أحببت إيراده هنا؛ تتميمًا للفوائد، وتكميلًا للعوائد، قال رحمه اللهُ:
استُدِلّ بقوله:"فمسح بناصيته، وعلى العمامة" لما ذهب إليه مالك، والشافعيّ، ومن معهما من أنه لا يجوز اقتصار المسح على العمامة، بل لا بدّ مع ذلك من المسح على الناصية، قيل: رواية مسلم هذه مفصّلة يُحمَل عليها ما في بعض طرقها، من أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفّين والعمامة، أخرجها الترمذيّ، وصححها.
وذهب أحمد، وغيره من فقهاء أصحاب الحديث إلى جواز الاقتصار على مسح العمامة.
واحتجّوا بحديث عمرو بن أُميّة - رضي الله عنه - عند أحمد، والبخاريّ، وابن ماجه، وبحديث بلال - رضي الله عنه - عند أحمد، ومسلم، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وبحديث سلمان - رضي الله عنه - عند أحمد، وبأحاديث أبي أمامة، وخزيمة بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي ذرّ - رضي الله عنهم - عند الطبرانيّ، وبحديث أنس - رضي الله عنه - عند البيهقيّ، وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرها الزيلعيّ في "نصب الراية".
واعتذر الأولون عن هذه الأحاديث بوجوه، كلُّها مخدوشة:
(فمنها): أنها معلولة، مضطربةُ الأسانيد، وفيها رجال مجهولون.
وتُعُقّب بأن أكثرها أحاديمث صحيحة مستقيمة، كما حقَّق صحّتها الحافظ في "التلخيص" وغيره.
(ومنها): أن أحاديث المسح على العمامة من أخبار الآحاد، فلا تعارض الكتاب؛ لأن الكتاب يوجب مسح الرأس.