وقد اختلفت الأخبار عن ابن عمر، والحسن البصريّ في هذا الباب، فرُوي عن كل واحد منهما قولان: أحدهما كالقول الأول، والقول الآخر كالقول الثاني، وكان مالك بن أنس لا يؤقت في المسح على الخفين وقتًا، لم يَخْتَلف قوله في ذلك، وإنما اختلفت الروايات عنه في المسح في الحضر، وقد أخبر ابنُ بكير مذهبه الأول والآخر، قال ابن بكير: كان مالك يقول بالمسح على الخفين إلى العام الذي قال فيه غير ذلك، قيل له: وما قال؟ قال: كان يقول: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فلم يبلغنا أن أحدًا منهم يمسح على الخفين بالمدينة.
وحُكِي عن الليث بن سعد أنه كان يَرَى المسح، ويقول: يمسح المقيم والمسافر ما بدا له. قال ابن المنذر رحمه الله: وأكثر من بلغني عنه من أصحاب مالك يرون أن يمسح المقيم والمسافر كما يشاء.
وسئل الأوزاعي عن غَازٍ صَلَّى في خفيه أكثر من خمس عشرة صلاةً لثلاث ليال وأيامهن لم ينزع خفيه؟ قال: مضت صلاته، وقد حُكي عن ربيعة أنه قال: لم أسمع في المسح على الخفين وقتًا.
قال ابن المنذر رحمه الله: وقد احتج بعض من هذا مذهبه بحديث رُوِي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنه قال: خرجت من الشام إلى المدينة، فخرجت يوم الجمعة، ودخلت المدينة يوم الجمعة، فدخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال: متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: وهل نزعتهما؟ قلت: لا، قال: أصبت السنة، ومنهم مَن رَوَى أنه قال: أصبت، ولم يقل السنة.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: امسح على الخفين ما لم تخلعهما.
(الثالث): قال سعيد بن جبير: المسح على الخفين من غدوة إلى الليل، وعن الشعبي أنه قال: لا أستتم خمس صلوات يمسح عليهما.
قال ابن المنذر بعد ذكره هذه الأقوال: وبالقول الأول أقول؛ إذ ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أَذِن أن يمسح المقيم يومًا والمسافر ثلاثًا، ثم أخرج بسنده عن عمرو بن ميمون الأوديّ، عن أبي عبد الله الْجَدَليّ، عن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه - قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين ثلاثة أيام للمسافر،