للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المحرم: "فإنه يُبعث يلبّي"، بعد قوله: "لا تقربوه طيبًا" (١)، فَنَبَّهَ على أن علة النهي كونه محرمًا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، فإنه يدلّ على أن الباعث على الأمر بالغسل احتمال النجاسة. انتهى (٢).

(لَا يَدْرِي) فيه أن علة النهي احتمالُ هل لاقت يده ما يُؤثِّر في الماء أو لا؟ ومقتضاه إلحاق مَن شَكّ في ذلك، ولو كان مستيقظًا، ومفهومه أن مَن دَرَى أين باتت يده، كمَن لَفَّ عليها خرقةً مثلًا، فاستيقظ، وهي على حالها أن لا كراهة، وإن كان غسلها مستحبًّا على المختار، كما في المستيقظ، ومَن قال بأن الأمر في ذلك للتعبد كمالك، لا يُفَرِّق بين شاكّ ومتيقن.

(أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ")، أي من جسده، قال الشافعيّ رحمه الله: كانوا يستجمرون، وبلادهم حارّة، فربما عَرِقَ أحدهم إذا نام، فيحتمل أن تطوف يده على المحلّ، أو على بثرة، أو دم حيوان، أو قذر غير ذلك.

وتعقّبه أبو الوليد الباجيّ بأن ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم؛ لجواز ذلك عليه.

وأجيب بأنه محمول على ما إذا كان العَرَق في اليد دون المحل، أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى بؤمر بغسله، بخلاف اليد، فإنه يحتاج إلى غمسها، وهذا أقوى الجوابين، والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحلّ الاستجمار ما رواه ابن خزيمة وغيره، من طريق محمد بن الوليد، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن خالد الحذّاء، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، في هذا الحديث، قال في آخره: "أين باتت يده منه"، وأصله في مسلم، دون قوله: "منه"، قال الدارقطنيّ: تفرد بها شعبة، وقال البيهقيّ: تفرد بها محمد بن الوليد.


= النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم تحبسه حاجة ظاهرة، أو مرض حابسٌ، أو سلطان جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا".
(١) متفق عليه.
(٢) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٧٩١.