للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما من قال بالتعبّد، فيلزمه أن يقول بغسل جميع الإناء، ما لاقى الولوغ، وما لم يلاقه؛ عملًا بحقيقة لفظة الإناء، فإن استكرهت هذا، فتأنّس بما قاله المغاربة من المالكيّة: إنه يغسل جميع الذَّكر من المذي؛ عملًا بحقيقة لفظ الذَّكر، وانطلاقها على الجملة، هذا مع كون المعنى معقولًا قطعًا في غسل ما لاقى المذي، وأنه للنجاسة.

وإن لم يقل هذا الذاهب إلى التعبّد بغسل الإناء كلّه، واقتصر على الغسل فيما يلاقي عكر عليه هذا في القول بالتعبّد، وذلك بأن يقال: لو كان تعبّدًا لما اختصّ بمحلّ الولوغ، لكن يختصّ، فليس بتعبّد، وحينئذ يحتاج إلى الجواب عن هذا، وهذا الكلام يجري في غسل ظاهر الإناء. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: كون الغسل للنجاسة هو الأظهر، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

١٨ - (ومنها): ما قاله أيضًا: هل يجب هذا الغسل على الفور، أو عند إرادة الاستعمال؟.

من قصر الأمر على التعبّد، فيناسبه إيجابه على الفور، وفي كلام بعض المالكيّة بناء على أن الأمر المطلق هل يقتضي الفور؟، وأنه إذا لم يقل بذلك جاز التأخير، هذا معنى قوله.

وهو معترض؛ لأنه إذا لم يقل بأن الأمر المطلق على الفور لم يلزم منه انقطاع دلالة هذا الأمر على الفور من حيث إنه أمر مطلق، وقد يدلّ عليه من غير هذا الوجه، وهو التعقيب الذي تدلّ عليه الفاء، أو الظرفيّة التي تدلّ عليها "إذا" مع أن العامل فيها هو الفعل الذي بعدها في لفظ بعض الروايات، فيقتضي الأمر بالغسل المذكور عند الولوغ، فيخرج عنه ما لا يُمكن اعتباره، وهو حالة الولوغ تحقيقًا، ويبقى فيما عداه بحسب الإمكان، والمشهور من مذهب المالكيّة أنه لا يؤمر إلا عند قصد الاستعمال، وأما من قال بالتنجيس، فالأمر ظاهر في ذلك. انتهى (٢).


(١) "شرح الإلمام" ٢/ ٢٦٣ - ٢٦٥.
(٢) "شرح الإلمام" ٢/ ٢٦١ - ٢٦٣.