للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله: اختلف الفقهاء في سؤر الكلب، وما ولغ فيه من الماء والطعام، فجملة ما ذهب إليه مالك، واستقَرّ عليه مذهبه عند أصحابه أن سؤر الكلب طاهرٌ، ويغسل الإناء من ولوغه سبعًا تعبدًا استحبابًا أيضًا لا إيجابًا، وكذلك يستحب لمن وَجَدَ ماء لم يَلَغْ فيه الكلب مع ماء قد وَلَغَ فيه كلب أن يترك الذي ولغ فيه الكلب، وغيره أحب إليه منه، وجاءت عنه روايات في ظاهرها اضطراب، والذي تحصل عليه مذهبه ما أخبرتك، ولا بأس عنده بأكل ما ولغ فيه الكلب، من اللبن والسمن وغير ذلك، ويستحب هَرْق ما ولغ فيه من الماء، وفي الجملة هو عنده طاهر.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوريّ، والليث بن سعد: سؤر الكلب نجس، ولم يَحُدُّوا الغسل منه، قالوا: إنما عليه أن يغسله حتى يغلب على ظنه أن النجاسة قد زالت، وسواء واحد أو أكثر.

وقال الأوزاعيّ: سؤر الكلب في الإناء نجس، وفي المستَنْقَع ليس بنجس، قال: ويغسل الثوب من لعابه، ويغسل ما أصاب لحم الصيد من لعابه.

وقال الشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد، وأبو ثور، والطبريّ: سؤر الكلب نجس، ويُغْسَل الإناء منه سبعًا، أولاهن بالتراب، وهو قول أكثر أهل الظاهر، وقال داود: سؤر الكلب طاهرٌ، وغسل الإناء منه سبعًا فرضٌ إذا ولغ في الإناء، وسواء كان في الإناء ماء، أو غير ماء، هو طاهر، ويُغْسَل منه الإناء سبعًا، ويتوضأ بالماء الذي ولغ فيه، ويؤكل غير ذلك من الطعام والشراب الذي ولغ فيه.

قال أبو عمر رحمه الله تعالى: مَن ذهب إلى أن الكلب ليس بنجس فسؤره عنده طاهر، وغسل الإناء من ولوغه سبع مرات هو عنده تعبدٌ في غسل الطاهر خصوصًا لا يَتَعَدَّى، ومن ذهب إلى أن الكلب نجس، وسؤره نجس، ممن قال أيضًا: إن الإناء من ولوغه يغسل سبعًا، قال: التعبد إنما وقع في عدد الغسلات من بين سائر النجاسات.

ومما احتج به من قال بنجاسة الكلب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "طهور إناء أحدكم … " الحديث، فأمره بتطهير الإناء يدلّ على نجاسته.