للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعقّبه ابن عبد البرّ بأنه قد يقع التطهير على النجس وعلى غير النجس، ألا ترى أن الجنب ليس بنجس فيما مَسّ ولاصق، وقد قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]، فأمر الجنب بالتطهّر. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله ملخّصًا (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أرجح الأقوال القول بنجاسة ولوغ الكلب، وأنه إذا ولغ في الإناء وجب غسله سبع مرّات، ويُعفَّر الثامنة بالتراب.

قال العلامة الشوكانيّ رحمه الله في "شرح المنتقى" ما حاصله: ذهب الجمهور إلى نجاسة الكلب، وذهب عكرمة، ومالك في رواية عنه إلى أنه طاهر، ودليلهم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]؛ إذ لا يخلو الصيد عن التلوّث بريق الكلاب، ولم نؤمر بالغسل.

وأجيب عن ذلك بأن إباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجّس من الصيد، وعدمُ الأمر؛ للاكتفاء بما في أدلّة تطهير النجس من العموم، ولو سُلِّم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه. انتهى (٢).

واستدلّوا أيضًا بما في "سنن أبي داود" عن عبد الله بن عمر، قال: "كانت الكلاب تبول، وتُقبِل وتُدبِر في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فلم يكونوا يرشّون شيئًا من ذلك"، وهو في "صحيح البخاريّ"، عن شيخه أحمد بن شبيب، بلفظ: وقال أحمد بن شبيب إلخ.

قال ابن المنيّر: لا حجة فيه لمن استَدَلّ به على طهارة الكلاب؛ للاتفاق على نجاسة بولها.

قال في "الفتح": وتُعُقِّب بأن من يقول: إن الكلب يؤكل، وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر يقدَح في نقل الاتفاق، لا سيما وقد قال جمع بأن أبوال الحيوانات كلها طاهرة، إلا الآدمي، وممن قال به ابن وهب، حكاه الإسماعيلي وغيره عنه، وسيأتي بيان ذلك.

وقال المنذريّ: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، ثم


(١) راجع: "التمهيد" ١٨/ ٢٦٩ - ٢٧٨.
(٢) "نيل الأوطار" ١/ ٤.