تقبل وتدبر في المسجد؛ إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غَلَقٌ. قال: ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تَمْتَهنه بالبول فيه.
وتُعُقِّب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك، كما في الهرة، والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجَعْلِ الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيليّ في روايته، من طريق ابن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر، قال:"كان عمر يقول بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد، قال ابن عمر: وقد كنت أَبيت في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الكلاب الخ"، فأشار إلى أَن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب.
وأما قوله:"في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، فهو وإن كان عامًّا في جميع الأزمنة؛ لأنه اسم مضاف، لكنه مخصوص بما قبل الزمن الذي أُمر فيه بصيانة المسجد. انتهى ما في "الفتح"(١).
والحاصل: أن القول بنجاسة وُلُوغ الكلب هو الراجح عندي؛ لقوّة حجته، وأما سائر أجزائه، فطاهر؛ لأنه لم يقُم دليل على نجاسته، فهو باقٍ على البراءة الأصليّة، فتفطّن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم غسل ولوغ الكلاب:
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: قد اختلف أهل العلم في عدد ما يُغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه، فكان أبو هريرة، وابن عباس، وعروة بن الزبير، وطاوس، وعمرو بن دينار، ومالك بن أنس، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، يقولون: يغسل سبع مرات.
وذهبت طائفة إلى أنه يُغسَل ثلاث مرات، هكذا قال الزهريّ، وقال عطاء: كل ذلك قد سمعت سبعًا، وخمسًا وثلاث مرات.