المشهور عندهم؛ لأن التتريب لم يقع في رواية مالك، قال القرافي منهم: لقد صحّت فيه الأحاديث، فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها؟، وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب، والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب، لكنه للتعبد؛ لكون الكلب طاهرًا عندهم، وأبدى بعض متأخريهم له حكمةً غير التنجيس.
وعن مالك رواية بأنه نجس، لكن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد، لكن يَرِد عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في أول هذا الحديث:"طُهُور إناء أحدكم"؛ لأن الطهارة تُستَعمل إما عن حدث أو خبث، ولا حَدَث على الماء، فتعيّن الخبث. وأجيب بمنع الحصر؛ لأن التيمم لا يَرفع الحدث، وقد قيل له: طُهُور المسلم، ولأن الطهارة تُطلَق على غير ذلك، كقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}[التوبة: ١٠٣] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السواك مَطهَرة للفم".
والجواب عن الأول بأن التيمم ناشئ عن حدث، فلما قام مقام ما يُطَهِّر الحدثَ سُمِّي طَهُورًا، ومن يقول بأنه يرفع الحدث (١) يمنع هذا الإيراد من أصله.
والجواب على الثاني أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حُمِلت على الشرعية إلا إذا قام دليل.
ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من وُلُوغه الكلبُ الْمَنْهيّ عن اتخاذه دون المأذون فيه يَحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدلّ على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه؛ لأن الظاهر من اللام في قوله:"الكلب" أنها للجنس، أو لتعريف الماهية، فيحتاج المدَّعِي أنها للعهد إلى دليل، ومثله تفرقة بعضهم بين البدويّ والحضريّ.
وادَّعَى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكَلْب الكَلِب، وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطبّ؛ لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه، كقوله:"صُبُّوا عليّ من سبع قِرَب"، وقوله:"مَن تصبّح بسبع تمرات عَجْوة".
(١) هذا القول هو الحقّ، كما سيأتي تحقيقه في أبواب التيمّم - إن شاء الله تعالى -.