للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى -: لا يقال: العشر الأُخَر؛ لأن الأُخَرَ جمع أُخرى، وأُخرى تأنيث آخر، ومدلوله وصفٌ مغاير بمتقدّمٍ ذِكرُهُ، وإن كان متقدّمًا في الوجود، وكذلك مؤنّثه ومجموعه، وليست دلالته على المتأخّر في الوجود حتى صارت نسيًا منسيًّا، فتقول: مررت بزيد، ورجلٍ آخر، فلا يُفهم من ذلك إلا وصفه لمغاير متقدّم ذكره، وهو زيد، حتى صار معناه أحد الشيئين، ولا يُفهم من ذلك كونه متأخّرًا وجودًا، ومن ثمّ لم يقولوا: ربيع الآخَر، ولا جمادى الأُخرى؛ لعلمهم بانتفاء دلالة ذلك على مقصودهم؛ لأن المقصود التأخّر الوجوديّ، فعدلوا إلى ربيع الآخِرِ - بكسر الخاء - وإلى جمادى الآخِرة، حتى تَحْصُل الدلالة على مقصودهم في التأخّر الوجوديّ. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.

[تنبيه آخر]: قال ابن دقيق العيد رحمه الله أيضًا: قوله: "فاغسلوه سبعًا، أولاهنّ، أو أخراهنّ بالتراب"، قد يدلّ لما قاله بعض أصحاب الشافعيّ: إنه لا يكفي ذرّ التراب على المحلّ، بل لا بُدّ أن يجعله في الماء، ويوصله إلى المحلّ.

ووجه الاستدلال أنه جعل مرّة التتريب داخلةً في قسم مسمَّى الغسلات، وذَرّ التراب لا يُسمّى غسلًا، قال: وهذا ممكنٌ، وفيه احتمالُ أنه إذا ذَرّ التراب على المحلّ، وأتبعه بالماء يصحّ أن يقال: غَسَلَ بالتراب، ولا بُدّ من مثل هذا في أمره - صلى الله عليه وسلم - في غسل الميت بماء وسِدْر عند من يرى أن الماء المتغيّر بالطاهر غير طَهُور، إن جرى على ظاهر الحديث في الاكتفاء بغسلة واحدة؛ إذ بها يحصل مسمَّى الغسل، وهذا جيّد.

إلا أن قوله: "وعفِّروه" قد يُشعر بالاكتفاء بالتتريب بطريق ذَرّ التراب على المحلّ، فإن كان خلطه بالماء لا ينافي كونه تعفيرًا لغةً، فقد ثبت ما قالوه (٢)، لكن لفظة التعفير حينئذ تُطلق على ذرّ التراب على المحلّ، وعلى إيصاله بالماء


(١) "شرح الإلمام" ٢/ ٢١٤ - ٢١٨.
(٢) أي: بعض أصحاب الشافعيّ الذين قالوا: لا يكفي ذَرّ التراب على المحلّ.