للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي بعضها للكراهة، ويؤخذ ذلك من حكم المسألة، فإن كان الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه؛ لمفهوم الحديث، ولكن الأولى اجتنابه.

وإن كان قليلًا جاريًا، فقد قال جماعة من أصحابنا: يُكره، والمختار أنه يحرُم؛ لأنه يُقَذِّره، وينجِّسه على المشهور من مذهب الشافعيّ وغيره، وَيغُرّ غيره، فيستعمله مع أنه نجس، وإن كان الماء كثيرًا راكدًا، فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم، ولو قيل: يَحرُم لم يكن بعيدًا، فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحقّقين، والأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يُقَذِّره، وربّما أدَّى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره، أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغَدِير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه.

وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه؛ لأنه ينجسه، ويُتْلِف ماليته، ويَغُرّ غيره باستعماله، والله تعالى أعلم.

قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: والتغوُّط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء، ثم صَبَّه في الماء، وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يَجري إليه البول، فكله مذموم قبيح، منهيّ عنه على التفصيل المذكور، ولم يخالف في هذا أحد من العلماء إلا ما حُكِي عن داود بن علي الظاهريّ أن النهيَ مختصّ ببول الإنسان بنفسه، وأن الغائط ليس كالبول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، أو بال بقرب الماء، وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء، وهو أقبح ما نُقِل عنه في الجمود على الظاهر، والله أعلم.

قال العلماء: ويكره البول والتغوّط بقرب الماء، وإن لم يَصِل إليه؛ لعموم نهي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارّين بالماء، ولما يُخاف من وصوله إلى الماء، والله أعلم.

وأما انغماسُ مَن لم يَستَنْجِ في الماء ليستنجي فيه: فإن كان قليلًا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام؛ لما فيه من تلطيخه بالنجاسة، وتنجيسِ الماء. وإن كان كثيرًا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه: فإن كان جاريًا فلا بأس