للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يضاجعها"، فإنه لم يروه أحد بالجزم؛ لأن المراد النهي عن الضرب؛ لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها، فتمتنع لإساءته إليها، فلا يحصل له مقصوده، وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها، وفي حديث الباب: ثم هو يغتسل منه.

وتُعُقِّب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يُعْطَف عليه نهيٌ آخر غير مؤكد؛ لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما مَعْنًى ليس للآخر.

قال القرطبيّ رحمه الله: ولا يجوز النصب؛ إذ لا تُضْمَر "أن" بعد "ثُمّ"، وأجازه ابن مالك رحمه الله بإعطاء "ثُمّ" حكم الواو.

وتعقبه النوويّ بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد أحدهما، وضعّفه ابنُ دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدُلّ على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث، إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر.

أي وهو حديث جابر - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "أنه نَهَى عن البول في الماء الراكد" المذكور عند مسلم قبل هذا.

وما يأتي في الباب التالي من طريق أبي السائب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "لا يغتسلْ أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب".

ورَوَى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد، ولفظه: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلْ فيه من الجنابة"، أفاده في "الفتح" (١).

وقوله: (مِنْهُ") أي من الماء الدائم، وهكذا هو في البخاريّ من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، ووقع في رواية بلفظ: "فيه" بدل "منه" وكلٌّ من اللفظين يفيد حكمًا بالنصّ، وحكمًا بالاستنباط، قاله ابن دقيق العيد رحمه الله.

قال في "الفتح": ووجهه أن الرواية بلفظ "فيه" تدلّ على منع الانغماس بالنصّ، وعلى منع التناول بالاستنباط، والرواية بلفظ: "منه" بعكس ذلك، وكلّه مبنيّ على أن الماء ينجُس بملاقاة النجاسة. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ١/ ٤١٣ - ٤١٤.
(٢) "الفتح" ١/ ٤١٥.