٧ - (ومنها): أنه استَدَلَّ أبو يوسف بهذا الحديث على تنجيس الماء المستعمل؛ لأن البول يُنَجِّس الماء، فكذلك الاغتسال، وقد نُهِي عنهما معًا، وهو للتحريم، فيدُلّ على النجاسة فيهما.
ورُدّ بأنها دلالة اقتران، وهي ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يَسلُبه الطهورية، ويزيد ذلك وضوحًا قوله في الرواية الآتية من طريق أبي السائب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كيف يفعلُ يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا"، فدَلّ على أن المنع من الانغماس فيه؛ لئلا يَصِير مستعملًا، فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابيّ أعلم بموارد الخطاب من غيره، وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طَهُور، قاله في "الفتح".
وقال العلّامة الشوكانيّ رحمه الله: وقد استُدِلّ بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه أهلًا للتطهير؛ لأن النهي ها هنا عن مجرد الغسل، فدَلّ على وقوع المفسدة بمجرده، وحكم الوضوء حكم الغسل في هذا الحكم؛ لأن المقصود التنزه عن التقرب إلى الله تعالى بالمستقذرات، والوضوء يقذِّر الماء كما يقذره الغسل. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح كون الماء المستعمل طَهُورًا؛ لقوّة أدلّته، كما سيأتي تحقيقه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الماء المستعمل:
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: اختَلَف أهل العلم في الوضوء والاغتسال بالماء المستعمل، فقالت طائفة: لا يجوز الوضوء به. كان مالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي لا يرون الوضوء بالماء الذي تُوُضِّئ به.
واختُلِف فيه عن الثوريّ، فحَكَى عنه الفاريابي أنه قال كقول هؤلاء، وحَكَى عنه الأشجعيُّ أنه قال: إذا نسيت أن تَمْسح برأسك، وقد توضأت، وفي لحيتك بَلَلٌ أجزأك أن تمسح مما في لحيتك أو يدك، وأن تأخذ ماءً لرأسك أحبّ إليّ.