وقال أحمد في جنبٍ اغتسل في بئر فيها من الماء أقل من قلتين، قال: لا يجزيه قد أنجس ذلك الماء.
وقالت طائفة: لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل؛ لأنه ماء طاهر، وليس مع من أبطل الطهارة بهذا الماء حجة، وليس لأحد أن يتيمم وهو يجد الماء.
واحتَجَّ بعضُ مَن يقول بهذا القول بأَخْبَار رُويت عن عليّ، وابن عمر، وأبي أمامة، فيمن نسي مسح رأسه، أو وجد بللًا في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل.
ثم أخرج ما نُقل عن هؤلاء بأسانيده، ثم قال: وكذلك قال عطاء بن أبي رباح، والحسن البصريّ، والنخعيّ، ومكحول، والزهريّ، وهذا من قولهم يدلّ على طهارة الماء المستعمل، وعلى استعمال الماء المستعمل، وكان أبو ثور يقول: إن توضأ بالماء المستعمل الذي تَوَضّأ به أجزأه إذا كان نظيفًا.
قال ابن المنذر رحمه الله: ومن حجة مَن يرى الوضوء بالماء المستعمل قوله جل ذكره: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء: ٤٣] قال: فلا يجوز لأحد أن يتيمم، وماء طاهر موجود، وهذا يلزم من أوجب القول بظاهر الكتاب، وترك الخروج عن ظاهره.
واحتُجَّ في إثبات الطهارة للماء المستعمل بحديث جابر - رضي الله عنه -، قال: أَتَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني، وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ، وصَبّ عليّ من وَضُوئه، متّفق عليه.
قال: فهذا الحديث يدل على طهارة الماء المتوضأ به.
ثم أخرج بسنده عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن الرُّبَيِّع أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ رأسه من فضل ماء في يده، فبدأ بموخَّر رأسه إلى مقدمه، ثم جرّه إلى مؤخره.
قال ابن المنذر: فدَلّ هذا الحديث على مثل ما دل عليه الحديث الأول، فأجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صَبّ ماء على وجهه أو ذراعيه، فسال ذلك عليه، وعلى ثيابه، أنه طاهر، وذلك أن ماء طاهرًا لاقى بدنًا طاهرًا، وكذلك في باب الوضوء ماءٌ طاهرٌ لاقى بدنًا طاهرًا، وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر، وَجَب أن يَتَطَهَّر به من لا