يجد السبيل إلى ماء غيره، ولا يتيمم، وماء طاهر موجود؛ لأن في الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"الصعيد الطيّب وَضُوء المسلم، ما لم يجد الماء، فإذا وجدت الماء، فأَمْسِسه بشرتك"(١).
فأوجب الله تعالى في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - الوضوء بالماء، والاغتسال به على كل مَن كان واجدًا له ليس بمريض، وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل، وما قَطَر منه على ثيابهما طاهرٌ دليلٌ على طهارة الماء المستعمل، وإذا كان طاهرًا فلا معنى لمنع الوضوء به بغير حجة يَرْجِع إليها مَن خالف القول. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله، وهو تحقيقٌ مفيدٌ.
وقال العلّامة الشوكانيّ رحمه الله: وقد ذهب إلى أن الماء المستعمل غير مطهر أحمد بن حنبل، والليث، والأوزاعيّ، والشافعيّ، ومالك في إحدى الروايتين عنهما، وأبو حنيفة في رواية عنه.
واحتجُّوا بهذا الحديث، وبحديث النهي عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة، واحتج لهم بما رُوي عن السلف من تكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء، لا بما تساقط منه.
وأجيب عن الاستدلال بحديث الباب بأن علة النهي ليست كونه يصير مستعملًا، بل مصيره مستخبثًا بتوارد الاستعمال، فيبطل نفعه، ويوضِّح ذلك قولُ أبي هريرة:"يتناوله تناولًا"، وباضطراب متنه، وبأن الدليل أخصّ من الدعوى؛ لأن غاية ما فيه خروج المستعمل للجنابة، والمدَّعَى خروج كل مستعمل عن الطَّهُورية.
وأجيب عن حديث النهي عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة بمنع كون الفضل مستعملًا، ولو سُلِّم فالدليل أخص من الدعوى؛ لأن المدَّعَى خروج كل مستعمل عن الطهورية، لا خصوص هذا المستعمل، وبالمعارضة بما أخرجه مسلم وأحمد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة، وأخرجه أحمد أيضًا، وابن ماجه بنحوه من حديثه، وأخرجه أيضًا
(١) حديث صحيحٌ، أخرجه أبو داود في: "سننه" (١/ ٩٠).