(قَالَ) معاذ - رضي الله عنه - (بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي إلى اليمن، كما سيأتي في الرواية التالية (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّكَ تَأتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) هذا كالتوطئة للتوصية، لتستجمع هِمَّتهُ عليها، لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال، من عَبَدَة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يَقْدَم عليهم من أهل الكتاب، بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنما خَصَّهم بالذكر تفضيلًا لهم على غيرهم. قاله في "الفتح".
وقال الطيبيّ: قيد قومًا بأهل كتاب، وفيهم أهل الذمّة، وغيرهم من المشركين " تفضيلًا لهم، وتغليبًا على غيرهم.
[تنبيهان]:
(أحدهما): كان أصل دخول اليهودية في اليمن في زمن أسعد أبي كُريب، وهو تُبّعٌ الأصغر، كما حكاه ابن إسحاق في أوائل "السيرة النبويّة".
(ثانيهما): قال ابن العربيّ في "شرح الترمذيّ": تبرّأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن عزيرًا ابنُ الله، وهذا لا يمنع كونه موجودًا في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " لأن ذلك نزل في زمنه، واليهود معه بالمدينة وغيرها، فلم يُنقل عن أحد منهم أنه ردّ ذلك، ولا تعقّبه، والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم، لا جميعهم بدليل أن القائل من النصارى: إن المسيح ابن الله طائفة منهم، لا جميعهم، فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان، كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التشبيه إلى التعطيل، وتحوّل معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية، لا الحسيّة، فسبحان مقلّب القلوب (١).
وكتب العلامة الصنعانيّ رحمه الله تعالى على قول ابن العربيّ: ولم ينقل عن أحد منهم ردّ ذلك ولا تعقّبه، ما نصّهُ: ونقول: إنهم لا يُصَدَّقون الآن في دعوى البراءة، فإنهم يُكَذّبون نصّ القرآن، فإن الله أخبرنا بأن صفات رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عندهم، يجدونه مكتوبًا في التوراة والإنجيل، وأنكروا ذلك، فكيف تقبل براءتهم مما حكاه الله عنهم من قولهم:{عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: ٣٠]، وإن أراد ابن