للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العربي أن الموجودين في زمنه تبرؤوا من قولهم بذلك، فلا يُجدي نفعًا، ولا ينفي إشراك آبائهم، وإن قيل: إن بعض اليهود كان يقول ذلك، فكذلك قد قيل: إن بعض النصارى يقول ذلك، وقد نسب الله القول إلى اليهود والنصارى جملة. انتهى كلام الصنعانيّ (١) وهو تَعَقُّبٌ نفيس، والله تعالى أعلم.

(فَادْعُهُمْ) أي ادع أهل اليمن أوّلًا إلى شيئين: أحدهما: شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني: شهادة أن محمدًا رسول الله، وفي رواية البخاريّ: "فإذا جئتهم، فادعهم"، قيل: عَبّر بلفظ "إذا " تفاؤلًا بحصول الوصول إليهم (٢) (إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ)، قال في "الفتح": كذا في رواية زكريّا بن إسحاق، لم يُختلف فيها، وفي رواية الأكثرين: "وأن محمدًا رسول الله"، وأما إسماعيل بن أمية، ففي رواية رَوْح بن القاسم عنه: "فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله … "، وفي رواية الفضل بن العلاء عنه: "إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك".

قال في "الفتح": ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده، وبتوحيد الشهادة له بذلك، ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما؛ لأنهما أصل الدين، الذي لا يصح شيءٌ غيرهما إلا بهما، فمن كان منهم غير مُوَحّدٍ فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان مُوَحِّدًا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه، كمن يقول ببنُوَّة عُزير، أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد؛ لنفي ما يلزم من عقائدهم.

وقال الحافظ زين الدين العراقيّ رحمه الله تعالى: كيفيّة الدعوة إلى الإسلام باعتبار أصناف الخلق في الاعتقادات، فلمّا كان إرسال معاذ إلى من يُقرّ بالإله والنبوّات، وهم أهل الكتاب أمره بأول ما يدعوهم إلى توحيد الإله، والإقرار بنبوّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم وإن كانوا يعترفون بإلهيّة الله تعالى، ولكن يجعلون له شريكًا، لدعوة النصارى أن المسيح ابن الله، ودعوة اليهود أن عُزيرًا ابن الله، تعالى الله سبحانه عما يصفون، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس برسول الله أصلًا،


(١) "العدّة حاشية العمدة" ٣/ ٢٧٣.
(٢) "الفتح" ٣/ ٤٥١.