للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو المطلوب، لا مجرّد الإقرار، ولذا ضمَّنَ "أطاعوا"، معنى انقادوا، فعدّاه باللام؛ إذ الانقياد زيادة على مجرّد الطاعة، فالمطلوب منهم في الصلاة فعلها، وهو يتضمّن الإقرار بفرضيّتها، واعتقاده ظاهرًا، وأما التلفّظ بالإقرار بالفرضيّة لها فليس بمراد، ولا وَرَدَ طلب الشارع لذلك إلا في الشهادتين لا غير، فقال الشارح: "ولو بادروا بالامتثال بالقول لكفى" غير ظاهر، بل نقول: التلفّظ بالوجوب بها غير مطلوب منهم، ومثله يَجري في الزكاة، وإنما قلنا: ظاهرًا؛ لأنهم لو فعلوها غير معتقدين وجوبها، كصلاة المنافقين قبلنا ظاهر فعلهم، وأدخلناهم به في حكم الإسلام، ووكلْنا سرائرهم إلى الله عز وجل كما تقرّر في غير هذا. انتهى كلام الصنعانيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيق حسنٌ، والله تعالى أعلم.

(فَأَعْلِمْهُمْ) بقطع الهمزة، من الإعلام (أَنَّ اللهَ) بفتح "أَنَّ" لأنها في محل نصب على أنها مفعول ثان و"أعلمهم" (افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ)، استُدِلّ به على أن الوتر ليس بفرض، وهو مذهب الجمهور، وهو الحقّ، وسيأتي البحث فيه مستوفًى في محلّه - إن شاء الله تعالى -.

وقال الخطّابيّ: وقد يستدلّ به من لا يرى على المديون زكاةَ ما في يده إذا لم يفضُل من الدين الذي عليه قدر نصاب؛ لأنه ليس بغنيّ إذ كان ماله مستحقًّا لغرمائه.

(فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ)، أي: لوجوب الصلاة بأدائها، كما ذكرناه (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً) أي زكاةً، وأطلق لفظ الصدقة على الزكاة، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية [التوبة: ٦٠]، والمراد بها الزكاة (تُؤْخَذُ) بالبناء للمفعول، والجملة في محلّ نصب على أنها صفة لـ"صدقة"، وكذا قوله: "وتُرَدّ" (مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ) فيه دليلٌ على أن الزكاة تؤخذ من مال الطفل؛ لعموم قوله: "من أغنيائهم"، وهو الحقّ، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في موضعه - إن شاء الله تعالى - (فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) استدلّ به من قال بعدم جواز نقل الزكاة من بلد المال إلى غيره، والراجح خلافه، وسيأتي تحقيقه في


(١) "العدّة" ٣/ ٢٧٤ - ٢٧٥.