للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محلّه أيضًا - إن شاء الله تعالى - (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ) أي لأداء ما فُرِض عليهم من الصدقة (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) أي احترز من أخذ كرائم أموالهم، و"الكرائم": جمع كريمة، وهي النفيسة من المال، وقيل: ما يختصّه صاحبه لنفسه منها ويؤثره، وقال صاحب "المطالع": هي جامعة الكمال الممكِنِ في حقّها، من غَزَارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة لحم، أو صوف، وهكذا الرواية: "فإياك وكرائم" بالواو في قوله: "وكرائم"، قال ابن قتيبة: ولا يجوز إياك كرائم أموالهم بحذفها (١).

[تنبيه]: قوله: "فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" بالواو، ولا يجوز تركهما؛ لأن معنى "إِيّاك": اتّق، وهو الذي يقال له التحذير، والمحَذَّر منه إذا ولي الْمُحَذَّر، فإن كان اسمًا صريحًا يُستعمل بـ "مِنْ"، أو الواو، ولا يخلو عنهما، وإلا لا يُفْهَم منه أنه محذَّر منه، وإن كان فعلًا يجب أن يكون مع "أَنْ"؛ ليكون في تأويل الاسم، فيُستعمل بالواو عطفًا، نحو "إياك وأن تحذف"، فإن تقديره: إياك والحذفَ، أو بـ "مِنْ"، نحو إياك من أن تحذف، ولا يجوز أن يقال: إياك الأسد بدون الواو، وقد نَقَل ابن مالك إياك الأسد بحذف الواو، ولكنه شاذّ يكون في الضرورة (٢).

قال في "الخلاصة":

"إِيَّاكَ وَالشَّرَّ" وَنَحْوَهُ نَصَبْ … مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَار وَجَبْ

وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لِـ"إِيَّا" انْسُبْ … وَمَا سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلْزَمَا

إِلَّا مَعَ الْعَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ … كـ"الضَّيغَمَ الضَّيْغَمَ يَا ذَا السَّارِي"

وَشَذَّ "إِيَّايَ" وَإِيَّاهُ" أَشَد … وَعَنْ سَبِيلِ الْقَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ

وَكَمُحَذَّرٍ بِلَا "إِيَّا" اجْعَلَا … مُغْرًى بِهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصِّلَا

(وَاتَّقِ) أي احذر (دَعْوَةَ الْمَظْلُوم، فَإِنَّهُ) الضمير للشأن، أي فإن الأمر والشأن، وفي رواية أبي داود: "فإنها" فالضمير للقصّة، أي فإن القصّة.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: الرواية الصحيحة في "فإنه" بضمير


(١) "شرح النووي" ١/ ١٩٧، و"عمدة القاري" ٧/ ١٦١.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٧/ ١٦١ - ١٦٢.