الواحد، بدليل عود الصحابة - رضي الله عنهم - لامتثاله، والمبادرة للعمل به، وقطع التشاجر، ومنازعات الاجتهاد عند حصوله، وها هنا إنما طلب النصّ، لوثوقه بالطريق إليه، وبُعْدِ الناقل عن الكذب، لا سيّما على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولتزكيته للناقل، وثنائه - صلى الله عليه وسلم - عليه، وثناء الله في كتابه عليه، وبعد الوهم والخطأ؛ لقرب النازلة، وسماع الجواب، وفهم السائل الناقل، فارتفع الأمر إلى أعلى درجات غلبة الظنّ، ولم يبق إلا تجويزٌ بعيدٌ، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتناوبون لسماع العلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجزي بعضهم عن بعض، وما علمنا أحدًا، ولا بلغنا أن أحدًا استَثْبَتَ فيما سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا مبتدئ الإسلام، كحديث ضمام وغيره، وقد قال الله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ … } الآية [التوبة: ١٢٢]، والأكثر قادرٌ على النفير والسماع بغير واسطة، وقد قال ضمام: أنا رسول مَن ورائي، وقال - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس:"وأخبروا بهنّ من ورائكم"، ونفذت كتبه - صلى الله عليه وسلم - ورسلُهُ إلى عُمّاله، وأمراء المسلمين، فوقفوا عندها، ولم يتزحزح أحد في قبولها، ولا أعمل الراحلة إلى تحقيقها. انتهى كلام القاضي ببعض تصرّف (١).
٦ - (ومنها): استحباب استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يُستحيَى منه عرفًا، واستحباب حسن العشرة مع الأصهار، وأن الزوج يُسْتَحبّ له أن لا يَذكُر ما يتعلّق بجماع الزوجة، والاستمتاع بها بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، ولهذا قال عليّ - رضي الله عنه -: فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته.
٧ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": استَدَلّ به بعضهم على وجوب الوضوء على مَن به سَلَسُ المذي؛ للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة.
وتعقّبه ابنُ دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة، مع صحة الجسد، بخلاف صاحب السلس، فإنه ينشأ عن علّة في الجسد، ويمكن أن يقال: أمر الشارع بالوضوء منه، ولم يَستفصل، فدلّ على عموم الحكم. انتهى.