للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجيب عن هذا الحديث، بأنه خَرَجَ على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء، أو يحمله على الاستحباب. انتهى.

وقال في "الفتح": واستَدَلَّ به ابن دقيق العيد على تَعَيُّن الماء فيه دون الأحجار ونحوها؛ لأن ظاهر الحديث يُعَيِّن الغسل، والْمُعَيَّن لا يقع الامتثال إلا به، وهذا ما صححه النووي في "شرح مسلم"، وصَحَّح في باقي كتبه جواز الاقتصار على الحجر؛ إلحاقًا له بالبول، وحملًا للأمر بغسله على الاستحباب، أو على أنه خَرَج مخرج الغالب، وهذا المعروف في المذهب. انتهى (١).

وكتب الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - فيما علّقه على "الفتح" ما نصّه: الصواب ما قاله ابن دقيق العيد من تعيّن الماء في غسل المذي؛ عملًا بظاهر الحديث، ويؤيّده ما ثبت في "مسند أحمد"، و"سنن أبي داود" عن عليّ - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يغسل ذكره، وأنثييه (٢)، وهذا حكم يخصّ المذي دون البول، والله أعلم. انتهى كلام الشيخ - رحمه الله -، وهو تحقيقٌ حسنٌ.

والحاصل أن غسل الذكر من المذي بالماء واجب؛ لظاهر هذا الحديث، فلا يقوم الاستنجاء بالأحجار مقامه، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في بيان اختلاف أهل العلم في غسل الذكر كلّه:

ذهب بعض المالكية والحنابلة إلى إيجاب استيعاب الذكر بالغسل؛ عملًا بالحقيقة.

وذهب الجمهور إلى أن الواجب غسل محلّه فقط؛ نظرًا إلى المعنى، فإن


(١) "الفتح" ١/ ٤٥٣.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أحمد في: "مسنده" برقم (٩٦٠)، وأبو داود في: "سننه" (١٧٩) وأعلّه بعضهم بالانقطاع، فإن عروة لم يسمع عن عليّ - رضي الله عنه -، لكن أخرجه أبو عوانة في: "صحيحه" من حديث هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلمانيّ، عن عليّ، قال ابن الملقّن - رحمه الله -: وفي هذا ردّ لما نقله أبو داود عن أحمد بن حنبل أنه قال: ما قال غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة في حديثه، فأما الأحاديث كلها، فليس فيها هذا. انتهى. "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١/ ٦٥٣.