كثيرًا، وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبَوَّب عليه أبو عوانة في "صحيحه": "إيجابُ الوضوء على الجنب إذا أراد النوم"، ثم استَدَلَّ بعد ذلك هو، وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، مرفوعًا:"إنما أُمِرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة".
وقد قَدَحَ في هذا الاستدلال ابنُ رشد المالكيّ، وهو واضح.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي ما ذهب إليه الجمهور من الاستحباب هو الأرجح؛ جمعًا بين الأدلّة، فقد أخرج ابن خزيمة، وابن حبّان في "صحيحيهما" من حديث ابن عمر، عن عمر - رضي الله عنهما -، أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينام أحدنا، وهو جنبٌ؛ فقال:"نعم، ويتوضّأ إن شاء"(١)، وحديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام، وهو جنبٌ، ولا يمسّ ماءً"، والحديث وإن تكلّم فيه الأكثرون، إلا أن الدارقطنيّ، والبيهقيّ، وغيرهما صححوه، وقد استوفيت البحث فيه في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد.
والحاصل أن الجمع بحمل الأمر بالوضوء على الاستحباب هو الأحسن، كما لا يخفى على الفطن، والله تعالى أعلم.
قال في "الفتح" أيضًا: ونَقَلَ الطحاويّ، عن أبي يوسف أنه ذَهَب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُجنِب، ثم ينام ولا يمس ماء"، رواه أبو داود وغيره.
وتُعُقِّب بأن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غَلِطَ فيه، وبأنه لو صَحَّ حُمِل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز؛ لئلا يُعْتَقد وجوبه، أو أن معنى قوله:"لا يَمَسّ ماء"، أي للغسل، وأورد الطحاويّ من الطريق المذكورة، عن أبي إسحاق ما يَدُلّ على ذلك، ثم جَنَح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث، وهو صاحب القصة، كان يتوضأ، وهو جنب، ولا يغسل رجليه، كما رواه مالك في "الموطأ"، عن نافع.
وأُجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته، ومن رواية عائشة،
(١) أخرجه أحمد في: "مسنده" (١/ ٢٤ - ٢٥)، وابن خزيمة في: "صحيحه" رقم (٢١٢)، و (ابن حبان) (١٢٧).