للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَعِبَ: إذا افتقر، كأنه لَصِقَ بالتراب، فهو تَرِبٌ، وأترب بالألف لغة فيهما، قاله الفيّوميّ (١).

وقال ابن الأثير - رَحِمَهُ اللهُ -: تَرِبَ الرجلُ: إذا افتقر، أي لَصِقَ بالتراب، وأترب: إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب، لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به، كما يقولون: قاتله الله. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قولها: "تربت يمينك" فيه خلاف كثير منتشر جدًّا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت، ولكن العرب اعتادت استعمالها غيرَ قاصدة حقيقة معناها الأصليّ، فيذكرون تربت يداك، وقاتله الله ما أشجعه، ولا أم له، ولا أب لك، وثكلته أمه، وويلُ أمه، وما أشبه هذا من ألفاظهم، يقولونها عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه، أو الذمّ عليه، أو استعظامه، أو الحثّ عليه، أو الإعجاب به. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "تَرِبت يمينك": أي افتقرت، قال الهرويّ: تَرِب الرجل: إذا افتقر، وأترب: إذا استغنى، وفي "الصحاح": تَرِب الشيءُ بالكسر: أصابه التراب، ومنه تَرِب الرجل: افتقر، كأنه لَصقَ بالتراب، قال: وأترب الرجلُ: استغنى، كأنه صار ماله من الكثرة بقدر التراب، وتأوّل مالك قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "تربت يمينك" بمعنى الاستغناء، وكذلك عيسى بن دينار، وقال ابن نافع: معناه: ضعُف عقلُك، وقال الأصمعيّ: معناه الْحَضُّ على تعلّم مثل هذا، كما يقال: انْجُ ثَكِلتك أمُّك، وقيل: "تَرِبت" أصابها التراب، ولم يُرد الفقر.

والصحيح أن هذا اللفظ، وشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء به، وهذا مذهب أبي عُبيد في هذه الكلمات، وما شابهها، وقد أحسن البديع في رسائله، وأوضح هذا المعنى، فقال:

وقد يوحش اللفظ، وكلُّه وُدّ، ويُكره الشيء، وما من فعله بُدّ، هذه


(١) "المصباح المنير" ١/ ٧٣.
(٢) "النهاية" ١/ ١٨٤.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ٢٢١.