للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العرب تقول: لا أبا لك للشيء إذا أهمّ، وقاتله الله، ولا يريدون به الذمّ، وويلُ أمه للأمر إذا تمّ، وللألباب في هذا الباب أن تنظر إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء، وإن خَشُن، وإن كان عدوًّا فهو البلاء، وإن حسُن.

قال القرطبيّ: وعلى تقدير كونه دعاء على أصله، مقصودًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - على بُعده، فقد أخرج الشيخان عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربةً إليك يوم القيامة"، لفظ البخاريّ، ولفظ مسلم: "اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاةً ورحمةً" (١).

وإنكار عائشة وأم سلمة على أم سُليم قضيّة احتلام النساء تدلّ على قلّة وقوعه منهنّ.

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (لِعَائِشَةَ: "بَلْ أَنْتِ) "بل" للإضراب الإبطاليّ، فهو - صلى الله عليه وسلم - أبطل قول عائشة لأم سُليم: تربت يمينك، ثم قال لها ما أبطله عن أم سليم، و"أنت" مبتدأ محذوف الخبر، أي أنت أحقّ أن يقال لك ذلك.

(فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ) الفاء فصيحيّة أفصحت عن جواب شرط مقدّر، أي إذا لم تستحقّ هي الإنكار، وكنت أنت أحقّ به، فتربت يمينك، ويحتمل أن يكون "أنت" مبتدأ، وجملة "فتربت يمينك" خبره، والفاء زائدة.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه أنتِ أحقّ أن يقال لك هذا، فإنها فَعَلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها، فلم تستحقّ الإنكار، واستحقَقْتِ أنتِ الإنكار؛ لإنكارك ما لا إنكار فيه. انتهى.

وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا يَحْتَمِل وجهين، إن كانت عائشة - رضي الله عنها - قالت ذلك لأم سُليم على الذمّ والدعاء لَمّا فَضَحَت النساء، فقابلها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، أي أنتِ أحقّ أن يقال لك هذا، إذ فَعَلَتْ هي ما يَجِبُ عليها من السؤال عن دينها، فلم تستوجب الإنكار، واستوجبتِهِ أنتِ بإنكارك ما لا يجوز إنكاره.


(١) "صحيح البخاري" في: "الدعوات" رقم (٦٣٦١)، و"صحيح مسلم" في: "البرّ والصلة" رقم (٢٦٠١).